مجتمع

المخزن… اللي ماشي على بالكم!

عن العلاقة بين المواطن والإدارة المغربية، كما نعيشها يوميًا

ضربة قلم

تنويه ضروري قبل ما يسبق الفهم التأويل:
حين نتحدث عن “المخزن” في هذا الركن، فنحن لا نقصد “المخزن العميق” أو الدولة الموازية أو الغرف السوداء التي تُدار منها الملفات الثقيلة. نحن ببساطة نقصد الإدارة المغربية في بعدها الشعبي والبسيط: المقدم، القايد، الخاتم، الوثيقة، “سير وجي”، وورقة من عند الشيخ!

هو ذاك “المخزن” الذي يعرفه المواطن حين يريد قضاء غرض بسيط، فيتحول الأمر إلى رحلة بيروقراطية فيها من الغرابة أكثر مما في روايات كافكا.

بداية الحكاية: المواطن والحلم الوردي

يبدأ المواطن نهاره بنيّة طيبة: “نقضي الوثيقة ونرجع نخدم”. وما إن يضع رجله في عتبة الإدارة حتى تبدأ سلسلة من المفاجآت:

  • الخاتم غائب.
  • الرئيس في اجتماع.
  • المقدم في السوق.
  • والوثيقة ناقصة ولو كانت كاملة.

الإدارة لا تكتفي برفض ملفك، بل تُشعرك أنك مذنب لأنك تجرأت على طلب خدمة عمومية.

أبطال المسرحية الإدارية

في هذه المسرحية المتكررة يوميًا، لدينا طاقم تمثيلي لا يتغير:

  • المقدم: رجل يعرف كل صغيرة وكبيرة في الحومة، لكنه يطلب شهادة السكنى كل مرة.
  • الشيخ: صامت لا يتكلم إلا ليرسل المواطن نحو درب آخر.
  • الموظف: نصفه خلف الحاسوب، والنصف الآخر خلف كأس شاي.
  • الخاتم: شخصيته أقوى من أي توقيع، وهو دائمًا عند “السيّد الرئيس”.
  • السيّد الرئيس: غالبًا في اجتماع منذ ظفره بكرسي الرئاسة.

بيروقراطية مغربية بطابع فلكلوري

قضاء غرض إداري في المغرب يشبه المشاركة في سباق حواجز:

  1. تدخل من باب المؤسسة.
  2. تصعد ثلاث طوابق.
  3. تنزل لنسخ الورقة.
  4. تعود لتصحيح الاسم.
  5. تذهب لطلب تصديق من القايد.
  6. ثم يُطلب منك نسخة من البطاقة رغم أنك سلمتها قبل قليل.

وفي النهاية، يقول لك الموظف بابتسامة فاترة: “سير وجي غدا”.

حين تهمس الإدارة: “أنا المخزن

المؤسسة لا تصرخ، لا تعتذر، ولا تعترف بالتقصير. هي فقط تهمس بهدوء، ولكن بثقة مطلقة:
“أنا المخزن”

والمواطن؟
يبتلع ريقه، يلتقط ملفه، ويخرج بصمت… مرددًا في داخله: “الله يدير تاويل الخير”.

ختام غير سعيد ولكن صادق

نحن لا نطلب المستحيل، بل الممكن: إدارة تحترم الوقت، وتقدّر المواطن، وتؤمن أن الخدمة العمومية شرف وليست صدقة.
نحلم أن نستفيق يومًا ونجد أن ورقة بسيطة لا تتطلب “رحلة وطنية” عبر المقدم والقائد والجماعة والمحافظة والمقاطعة والبلدية والعمالة…

لكن، ما دامت الأحلام لا تحتاج ترخيصًا، سنواصل الحلم.

فربما… يأتي يوم تُختصر فيه عبارة “سير وجي” إلى كلمة واحدة: “مرحبا”.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.