مجتمعسياسة

المخزن لا صديق له… حتى الساسة قرابين في مذبح الفساد!

ضربة قلم 

إذا كان للبحر أمواجه، فإن للفساد تياراته الجارفة التي تجرف كل من ظن نفسه منيعًا. المشهد اليوم لا يحتاج إلى عراف من بوزنيقة ولا قارئ كف سياسي، فالأرقام وحدها تتحدث: عدد البرلمانيين المعتقلين ورؤساء الجماعات الموقوفين ينتمون في غالبيتهم إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، وكأن قدر هذا الحزب أن يكون أكبر ضحية لخطأ حسابي في معادلة الحكم.

بعض هؤلاء ظنوا أن قربهم من أصحاب النفوذ يمنحهم جواز مرور أبدي في دروب العبث بالمال العام. لكنهم نسوا أن المخزن كإله الزمن في الأساطير القديمة، يمنح السلطة بيد، ثم يسلبها بالأخرى حين تقتضي الضرورة. فالولاء للمخزن ليس عقد زواج كاثوليكي، بل هو علاقة مشروطة بمصالحه، وما إن تتعارض المصالح حتى يتحول الصديق المطيع إلى عبرة على صفحات الجرائد.

خذوا مثلاً “عراف بوزنيقة”، الرجل الذي صار يتحكم في رقاب الناس كأنه سليمان زمانه، لم يكن يتوقع أن أقدامه ستطأ بلاط عكاشة بدلاً من سجاد الفخامة. لكنه نسي أن من يسبح ضد التيار لا يغرق وحده، بل يسحب معه أسماء كانت تعتقد أنها في مأمن تحت مظلة “المعرفة الكبيرة”. ولكن، كما قلنا ونكرر، المخزن لا صديق له.

وتتوالى المشاهد، فها هو كريمين، الاسم الذي خبر كواليس الكبار وعرف كيف تدار اللعبة، لم يشفع له تاريخه الطويل في الدهاليز. حتى كرم الضيافة السياسية له مدة صلاحية، وما إن ينتهي مفعولها حتى يجد الرجل نفسه خارج الحلبة، بين من يتهامسون حول “كيف سقط؟”، وكأنهم لم يكونوا شهودًا على تضخمه الفجّ بفعل النفوذ.

أما من يظنون أنهم في مأمن لأنهم مجرد بيادق في رقعة الشطرنج، فالأولى لهم أن يتعلموا من تجارب السابقين. المخزن حين يحتاج إلى شخص، يرفعه إلى أعلى مرتبة، يمنحه المناصب والأضواء، يفتح أمامه الأبواب الموصدة، وحين ينتهي دوره، يتخلص منه كما تتخلص عائلات النصارى من شجرة الميلاد بعد انقضاء العيد. أليست هذه نفس القصة التي تكررت مع الزعيم السياسي والنقابي الكبير الذي وجد نفسه في الهامش بعدما اعتقد أن النظام مدين له بالولاء الأبدي؟

البعض قد يقول: “لكن هناك من نجا من الموجة!”، وهنا نرد: لحظة، العاصفة لم تهدأ بعد. التاريخ يعلمنا أن الدولة حين تبدأ حملة تطهير، لا تتوقف عند الأسماء الصغيرة فقط، بل تمتد يدها إلى من اعتقدوا أنفسهم فوق الحساب. فقط انتظروا قليلًا، ستكتشفون أن من كانوا يوزعون صكوك الغفران في السياسة سينتهي بهم الحال يبحثون عن وساطة لخفض العقوبة.

إنه المخزن يا سادة، لا يهمه الأشخاص بقدر ما تهمه مصلحته، ومن لا يفهم هذه القاعدة البسيطة، فليبحث عن مصيره بين صفحات “المتقاعدين” من السياسة، أو بين أسوار سجن لن تُفتح أبوابه إلا لمن رحِم القضاء حاله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.