المدرسة بلا مكتب والحلم يصبح واجبًا منزليًا على الأرض

ضربة قلم
في ركن صغير من غرفة ضيقة، يجلس طفل على السرير، يكتب واجباته المدرسية فوق دفترٍ واهٍ لا يجد مكانًا مستويًا ليستند عليه.
أمه تراقبه من بعيد، وهي تردّد: “الله يرضي عليك يا وليدي، قرا باش ما تبقاش بحالي.” لكنها لا تدري أن القراءة نفسها تحتاج إلى مساحة، إلى ضوء، إلى كُرسيّ… إلى كرامة تعليمية مفقودة.
المدرسة اليوم لا تنتهي عند جرس الخروج. فالبيت، في الحقيقة، هو المدرسة الثانية، والفرق بين طفل وآخر لا يُقاس بعدد ساعات الدرس، بل بعدد السنتيمترات بينه وبين مكتبٍ حقيقي.
التعليم في بيوت “مكتظة بالأمل”
في أحياء الهامش، يدرس الأطفال وسط روائح الطبخ، وأصوات الجيران، وصرخات الصغار. الدفتر يُفتح فوق الثلاجة، أو على صندوق بلاستيكي مقلوب. الكهرباء تنقطع أحيانًا، والضوء يُستعار من شاشة الهاتف. ومع ذلك، يأتي الغد، ويقف الطفل أمام الأستاذ الذي يسأله: “واش درت الواجب؟” ولا أحد يسأله: “واش عندك المكان اللي تقدر تدير فيه الواجب؟”
الفقر التربوي… الوجه الآخر للإصلاحات
الخطابات الرسمية تتحدث عن “جودة التعليم”، “الرقمنة”، “المناهج الجديدة”.
لكن الجودة لا تُقاس بالمنصة الرقمية، بل بالكرسي الذي يجلس عليه التلميذ حين يراجع دروسه. كيف يمكن أن نحلم بـ”مدرسة الإنصاف” وطفل يراجع في ضوء الشمعة؟
أو أمّ تشرح لابنها الحساب وهي تحسب في بالها ثمن الخبز غدًا؟
هذا ما يُسمّى الفقر التربوي: ليس فقط قلة المدارس أو ضعف المناهج، بل غياب البيئة التي تسمح للتعليم أن يعيش خارج جدران القسم.
حين تصبح الطفولة مشروع مقاومة
رغم كل ذلك، لا زال كثير من الأطفال يقاومون. يستيقظون قبل الفجر ليراجعوا قبل أن يبدأ ضجيج الحي، يحملون دفاترهم بين أكياس المشتريات، ويحلمون بأن يخرجوا من الدائرة.
في عيونهم بريق يقول أكثر من ألف إصلاح حكومي:
“ما محتاج مكتب… محتاج فرصة.”
الختام: المدرسة تبدأ من البيت
قد تكون المدرسة مؤسسة تربوية، لكن البيت هو الامتحان الأول في العدل الاجتماعي.
في الأحياء الميسورة، التعليم امتداد للراحة. وفي الأحياء الفقيرة، التعليم مقاومة يومية ضد الضيق، ضد الغبار، ضد الغياب. لذلك، حين نتحدث عن “إصلاح التعليم”، علينا أن نسأل: هل أصلحنا البيت الذي يدرس فيه الطفل؟
أم ما زال التلميذ المغربي يكتب حلمه فوق وسادة؟




