المصحات الخاصة بالدار البيضاء.. مشافي أم مقاصل صامتة؟

ضربة قلم
لا تزال مدينة الدار البيضاء تعيش على وقع صدمة طبية مدوية، بعدما تفجرت قضية وفاة سيدة وإصابة أخريين بعاهات مستدامة داخل مصحة خاصة شهيرة، وسط تنديدات تتصاعد من أقارب الضحايا والمجتمع المدني حول الإهمال الطبي الجسيم الذي يبدو أنه استشرى في بعض المؤسسات الصحية الخاصة، دون حسيب أو رقيب.
قضية شائكة وتفاصيل مرعبة
لم تكن “س.ل”، الممرضة التي كرست حياتها لخدمة المرضى، تعلم أن دخولها إلى المصحة من أجل إجراء عملية بسيطة لعلاج البواسير، سينتهي بها جثة هامدة في مشرحة الموتى. دخلت بكامل وعيها، لكنها لم تخرج إلا داخل كفن، بعدما فارقت الحياة بسكتة دماغية، إثر تدهور صحي رهيب قيل إنه بسبب إهمال طبي فادح.
حسب المعطيات، كانت الممرضة تعاني من مرض الذئبة الحمراء، وأخبرت الطاقم الطبي بأنها تعتمد على دواء معين لا يمكنها التوقف عنه. إلا أن الأطباء في المصحة أصروا على إيقافه، بدعوى أنه سيتعارض مع العملية الجراحية التي من المفترض أن تخضع لها. وهنا تبدأ المأساة. بقيت الضحية ثلاثة أيام دون تدخل طبي جدي، حالتها الصحية تدهورت بسرعة: هلوسة، فقدان للبصر، تراجع القدرات السمعية، ثم في النهاية… السكتة الدماغية.
المصحة تحت قفص الاتهام
لم تكن هذه الحالة الوحيدة التي أخرجت المصحة من دائرة “مركز علاج” إلى “قاعة انتظار الموت”. سيدة أخرى دخلت إلى المصحة لتضع مولودها، لكنها خرجت من هناك شبه مشلولة، غير قادرة على المشي أو السمع، بعدما دخلت في غيبوبة غامضة لعدة أيام. وسيدة ثالثة، تعرضت لسكتة دماغية، وتحولت حياتها إلى كابوس، إذ أصبحت تعاني من أعراض مرض الزهايمر رغم سنها غير المتقدم.
توالي هذه الحوادث بنسق مشابه دفع العديد إلى التساؤل: هل نحن أمام مجرد “أخطاء طبية”، أم أن الأمر أعمق، ويتعلق بمنظومة صحية تجارية، همها الأساسي الربح السريع على حساب أرواح البشر؟
النيابة العامة تتحرك.. ولكن!
الضابطة القضائية، تحت إشراف النيابة العامة، فتحت تحقيقًا في هذه الوقائع التي هزت الرأي العام البيضاوي، خصوصًا بعد تقدم أقارب الضحايا بشكايات يطالبون فيها بالكشف عن المسؤوليات. وبناءً على تعليمات النيابة العامة، تم الاستماع إلى أقارب الضحايا، ومن المرتقب استدعاء الأطر الطبية والمسؤولين داخل المصحة لاستجلاء الحقيقة.
لكن، هل سينتهي هذا الملف مثل غيره؟ ملفات كثيرة من الأخطاء الطبية والإهمال في القطاع الصحي الخاص سبق أن فجّرت جدلًا واسعًا، لكنها غالبًا ما تنتهي دون محاسبة فعلية، في ظل “اللوبي” الطبي الذي يمتلك نفوذًا لا يستهان به داخل دوائر القرار.
عندما يصبح العلاج مغامرة
مفارقة قاتلة يعيشها المواطن المغربي: في المستشفيات العمومية، يموت المريض بسبب نقص التجهيزات والاكتظاظ، وفي المصحات الخاصة، قد يموت رغم توفر كل المعدات، ولكن بسبب “إهمال متعمد” أو “استغلال تجاري بغيض” يضع الأرباح فوق أي اعتبار طبي أو إنساني.
ما حدث في الدار البيضاء ليس سوى حلقة جديدة في مسلسل طويل من التجاوزات الطبية التي لا تجد طريقها إلى المساءلة الصارمة. يبقى السؤال العالق: هل ستكون هذه القضية نقطة تحول، أم أنها ستضاف إلى قائمة الفضائح التي تنتهي في زوايا النسيان؟
إلى حين الإجابة عن هذا السؤال، يبقى الدخول إلى بعض المصحات أشبه بمقامرة بالحياة، حيث قد تتحول غرفة العلاج إلى “غرفة انتظار الموت”، دون سابق إنذار.