المصحات الخاصة في المغرب.. تجارة بأسماء عبرية واستثمار في صحة المغاربة

ضربة قلم
إذا كان المال لا رائحة له، فإن رائحة المال في قطاع الصحة بالمغرب باتت تفوح من أسماء عبرية تتخفى خلف واجهات براقة للمصحات الخاصة. فبينما يبحث المغاربة عن العلاج، يجدون أنفسهم في شراك رؤوس أموال غامضة، تستثمر في صحتهم كما تستثمر في العقارات والأسواق الكبرى. لم يعد الأمر مجرد جشع داخلي، بل صار جزءًا من مخطط استثماري عالمي يضع يدَه على أهم القطاعات الحيوية في البلاد.
المصحات الخاصة.. واجهات فاخرة بأيادٍ خفية
قد تدخل إلى إحدى هذه المصحات فتجدها أشبه بفندق فاخر: ردهات أنيقة، استقبال بابتسامات مصطنعة، غرف مجهزة بأحدث التقنيات، لكن خلف هذا المظهر البراق يد تُدير اللعبة بعيدًا عن الأعين. العديد من المصحات الكبرى في الدار البيضاء، الرباط، طنجة، مراكش ومدن أخرى باتت مملوكة لمجموعة استثمارية غامضة، بلا تحمل أسماء عبرية، لكنها تحمل حصة الأسد في رأس المال، وتدار عبر أسماء مغاربة في الواجهة، حيث تستثمر في قطاع الصحة.
كيف تسللت الأسماء العبرية إلى صحة المغاربة؟
- استحواذ على المصحات الكبرى: العديد من المصحات الشهيرة لم تعد مملوكة لمغاربة، بل انتقلت إلى شركات دولية يملكها رجال أعمال يحملون أسماء عبرية، دخلوا إلى السوق الصحي المغربي عبر عمليات شراء غير معلنة، بعد تشييد مصحات جديدة.
- استثمار عبر شركات التأمين الصحي: بعض شركات التأمين الخاصة في المغرب، والتي تتحكم في تدفقات مالية ضخمة من المرضى، لها ارتباطات مباشرة أو غير مباشرة بمستثمرين أجانب يحملون أسماء عبرية، مما يجعل القرار الصحي خاضعًا لحسابات مالية دولية.
- شراكات غامضة في القطاع الصحي: تحت غطاء “تحسين الخدمات الصحية”، دخلت هذه الشركات إلى المغرب بمليارات الدراهم، لكن الهدف ليس تطوير المنظومة الصحية، بل تحقيق أرباح ضخمة على حساب صحة المواطن البسيط.
ما الثمن الذي يدفعه المواطن المغربي؟
حين يدخل المال الأجنبي، خصوصًا من جهات ذات مصالح اقتصادية عابرة للقارات،ترتفع الأسعار بشكل جنوني. لم يعد العلاج مجرد خدمة، بل تحول إلى سلعة تخضع لقوانين السوق الحرة:
- الأسعار الخيالية للعلاج: لم يعد غريبًا أن تصل تكلفة ليلة واحدة في غرفة إنعاش إلى أكثر من 8،000 درهم، وكأن المريض استأجر جناحًا في فندق فاخر.
- رفض استقبال الحالات المستعجلة بدون دفع مسبق: في حالات عديدة، رفضت المصحات استقبال مرضى بين الحياة والموت، لأنهم لم يملكوا المال الكافي، في مشاهد أقرب إلى أفلام الرعب منها إلى الواقع.
- التحكم في المعدات والأدوية: كثير من المصحات تفرض على المرضى شراء الأدوية من داخلها، بأسعار أعلى بمرتين أو ثلاث مرات من سعر السوق، والسبب بسيط: تحقيق أرباح ضخمة للمساهمين الأجانب.
بلا رحمة.. المريض رهينة المال!
الإنسان المريض يفترض أن يكون في وضع يستدعي التعاطف والرعاية، لكن داخل المصحات الخاصة في المغرب، الرحمة تفسح المجال للمال. لا يهم إن كنت في حالة طارئة أو بحاجة إلى إنعاش عاجل، المهم أن تُسدد المبلغ المطلوب أو يتم تركك في قاعة الانتظار حتى تُسوى الأمور المالية. الحالات المستعجلة تُقابل بإجراءات بيروقراطية باردة، وكأن حياة الناس مجرد تفاصيل في دفتر الحسابات.
في العديد من الحالات، رفضت مصحات استقبال مرضى مصابين بجلطات دماغية أو حوادث سير، لأن أسرهم لم تكن تملك المال الكافي أو لم تكن تحمل “شيكًا على سبيل الضمان“، مما أدى إلى وفيات كان يمكن تفاديها لو كانت الأولوية لصحة الإنسان، لا للربح.
فواتير لا ترحم.. “المواد المستهلكة” باب آخر للنهب!
هذا الصنف الجديد من التجارة في صحة المغاربة لا يكتفي بفرض أسعار خيالية على الفحوصات والعمليات، بل يضيف بنودًا غير مبررة في الفواتير تحت مسميات فضفاضة مثل “المواد المستهلكة”. قد يظن البعض أن الأمر يتعلق بأدوية أو معدات ضرورية، لكن المفاجأة أن هذه المواد تشمل المناديل الورقية، القطن، والمحاليل البسيطة، والتي تُفرض بأسعار خيالية تفتقر إلى الرحمة.
بعض المرضى صُدموا عند مراجعة فواتيرهم، حيث وجدوا أنفسهم يدفعون مئات الدراهم على “مواد مستهلكة” لا تساوي في الواقع سوى بضعة دراهم. في سلوك أشبه بالانقضاض على كل من وقع بين أيديهم، حيث لا تتردد المصحات في استغلال كل تفصيل صغير لتحويله إلى باب إضافي للربح، وكأن المريض مجرد فرصة تجارية وليس إنسانًا بحاجة إلى رعاية. وسط هذا الجشع المنظم، لا شيء مجاني سوى التحية، والتي قد تصبح بدورها مدفوعة إذا استمر الوضع على ما هو عليه!
شيكات على سبيل الضمان.. ابتزاز قانوني مغلف بالشرعية
في مشهد أقرب إلى الأفلام السوداء، تطلب هذه المصحات الخاصة شيكات على سبيل الضمان قبل بدء أي علاج، بغض النظر عن وضعية المريض أو استقرار حالته الصحية. هذا السلوك الذي أصبح شائعًا يُعد في الأصل مخالفًا للقانون المغربي، لكن المصحات حوّلته إلى قاعدة إجبارية تفرضها على الجميع.
النتيجة؟
- أسر تُجبر على توقيع شيكات بيضاء دون أن تعرف المبلغ الحقيقي الذي سيتم خصمه لاحقًا.
- مرضى يخرجون من المصحة مثقلين بالديون، لأن الفواتير تُنفخ بأسعار غير مبررة.
- أشخاص انتهى بهم المطاف في المحاكم، بعدما وجدت المصحات فرصة لاستغلالهم ماليًا، بتهديدهم بالملاحقة القضائية في حالة عدم الدفع.
وكأن المريض لا يكفيه ما يعانيه من الألم، بل عليه أن يواجه كذلك ابتزازًا قانونيًا يضعه أمام خيارين: إما العلاج بأي ثمن، أو ترك مصيره للمجهول.
لا قلب ولا ضمير.. أين الإنسانية؟
قد يُبرر البعض ارتفاع أسعار المصحات الخاصة بتكاليف التشغيل أو جودة الخدمات، لكن الحقيقة أن الربح الفاحش هو الهدف الأول والأخير. في العديد من الحالات، تم رصد تضخيم غير مبرر في الفواتير، حيث يتم إضافة تكاليف غير ضرورية، أو فرض أسعار خيالية على عمليات بسيطة.
بعض الأطباء العاملين في هذه المصحات تحدثوا عن ضغوط لإجراء عمليات غير ضرورية فقط لزيادة الأرباح، حيث يتم إقناع المرضى بأنهم بحاجة إلى تدخل جراحي سريع، في حين أن حالتهم لا تستدعي ذلك. أين الضمير؟ أين الأخلاق؟
المريض في المغرب.. بين المطرقة والسندان
في النهاية، يجد المواطن المغربي نفسه بين مستشفيات عمومية تعاني من التهميش والإهمال، ومصحات خاصة تحولت إلى شركات تجارية بلا قلب. لا خيار أمامه سوى تحمل الديون، أو مواجهة الموت بسبب غياب الرعاية الصحية اللائقة.
والمفارقة الكبرى؟
بينما يستنزف المواطن جيبه بحثًا عن العلاج، نجد المسؤولين والطبقة الغنية يتجهون إلى المصحات الأوروبية، حيث الأسعار أقل والخدمة أفضل، وكأنهم أنفسهم لا يثقون في هذا “الوحش التجاري” الذي خلقوه في بلادهم.
إلى متى يبقى المواطن المغربي ضحية لهذا الاستنزاف؟
إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن المصحات الخاصة ستتحول إلى مافيات صحية تبيع العلاج كأنه سلعة كمالية، مثل العقارات والسيارات الفاخرة. فهل تتحرك الدولة لوضع حد لهذا الاستنزاف؟ أم أن صحة المغاربة ستبقى رهينة لجشع تجار الألم؟
هل نحن أمام استعمار صحي جديد؟
إذا كان الاستعمار القديم قد نهب الأرض والثروات، فإن الاستعمار الجديد ينهب الصحة والحياة. تحوُّل القطاع الصحي إلى حقل استثماري خاضع لأسماء أجنبية يعني شيئًا واحدًا:
صحة المغاربة لم تعد في أيديهم، بل باتت تتحكم فيها لوبيات، تديرها شخصيات بأسماء عبرية وأخرى مغربية، تحسب كل درهم يُدفع في العلاج وكأنه استثمار يجب أن يعود بأرباح مضاعفة.
ما الحل؟
- ضرورة استرجاع القطاع الصحي من الأيدي الأجنبية عبر قوانين صارمة تمنع بيع المصحات لشركات أجنبية.
- إعادة الاعتبار للمستشفيات العمومية حتى لا يصبح المواطن رهينة للقطاع الخاص الجشع.
- فرض رقابة حقيقية على تسعيرة العلاجات، ووضع سقف قانوني للأسعار يمنع استغلال المرضى.
الخلاصة؟
عندما يُترك قطاع الصحة في أيدي مستثمرين لا يرون في المرضى سوى أرقامًا في دفاتر الأرباح، يصبح الموت أقرب من العلاج. فهل باتت صحة المغاربة مجرد ورقة في لعبة المال العالمية؟