المصلى بالمحمدية: ذاكرة مدينة في مواجهة الأطماع العقارية

ضربة قلم
لم تكن المصلى في مدينة المحمدية مجرد مساحة تُقام فيها الصلوات الموسمية، بل كانت وما زالت رمزًا دينيًا وتاريخيًا يجسد هوية المدينة وارتباطها بموروثها الروحي. هذا العقار سلم من أيادي العابثين عبر التاريخ، رغم أن موقعه الاستراتيجي كان كفيلًا بإثارة شهية الطامعين. وخلال الفترة الممتدة بين 1997 و2002، حين كان الراحل مولاي العربي الزروالي رئيسًا للجماعة، تم تسجيل عقار المصلى حرفيا باسم سكان المحمدية، وليس باسم الجماعة، في خطوة تحصينية تهدف إلى منع أي محاولة للاستيلاء عليه.
اليوم، ومع تصاعد الضغوط العقارية على المدينة، يعود الحديث عن المصلى، ولكن ليس في سياق حمايته، بل ضمن مخططات وزارة الأوقاف، التي تروج لإقامة مشروع ديني جديد على أنقاضه، يشمل مسجدًا وربما سكنًا للناظر ومنشآت أخرى. غير أن هذا التبرير يبدو واهيًا، إذ أن الأحياء المجاورة تتوفر على مساجد كافية، ولا تعاني من أي نقص في البنيات التحتية الدينية. فما الهدف الحقيقي من هذا المشروع إذًا؟
يبدو أن المصلى أصبحت ضحية شهية الاستثمار العقاري الذي يتخفى وراء الخطاب الديني، في مشهد يتكرر كلما تعلق الأمر بعقار ذي قيمة استراتيجية. إن محاولات نزع ملكية المصلى وتهجير ملاكين في عقارات أخرى من أجل عقار بديل له، ليست سوى عبث موصوف بمباركة من جهات تعيد رسم خريطة الأملاك الجماعية وفق مصالح معينة.
إن المصلى بالمحمدية ليست مجرد عقار فارغ قابل لإعادة التهيئة وفق مزاج المضاربين، بل هي قطعة من تاريخ المدينة، وذاكرة حية لأجيال تعاقبت على إحيائها في المناسبات الدينية. العبث بهذا الإرث، والتعامل معه وكأنه جزء من مزاد مفتوح، هو ضرب من الانتهازية التي لن تمر مرور الكرام.
إن المدن التي تفقد معالمها تفقد روحها، والمجتمعات التي تسمح ببيع ذاكرتها تحت أي مبرر، محكوم عليها بأن تصبح بلا هوية.
جدير بالذكر أن صلاة عيد الفطر لهذه السنة تتزامن مع أشغال تهيئة بعض شوارع المدينة، حيث يعرف شارع المقاومة المحاذي للمصلى بدوره أشغالًا سيضطر معها المصلون إلى تحويل وجهتهم وبصفة مؤقتة إلى مساحة قرب ملعب البشير، لكن وهم يحملون الكمامة بسبب الروائح النتنة المنبعثة من الوادي المجاور التي تزكم الأنوف. هذا الوضع يطرح تساؤلات حول تدبير المجال الحضري بالمدينة، حيث يبدو أن المشاريع التنموية غالبًا ما تُنفَّذ دون مراعاة الاحتياجات الفعلية للساكنة، وكأن الأولويات تُرتب بناءً على مصالح غير مرئية بدلًا من أن تكون استجابة لحاجيات المواطنين.
في هذا السياق، تتحول المصلى إلى نقطة مواجهة بين الذاكرة الجماعية وأطماع الاستثمار العقاري، حيث لم يعد الأمر مجرد نقاش حول موقع للصلاة، بل معركة رمزية تعكس التغيير القسري الذي يُفرض على المدينة وساكنتها. فبينما يتم تبرير بعض المشاريع بحجج تنموية، يظل الواقع يثبت أن العديد منها يخدم مصالح ضيقة أكثر من حاجيات السكان.
إن الرهان اليوم ليس فقط على إنقاذ المصلى، بل على وعي الساكنة بحقها في مدينتها، ورفض تحويلها إلى مجرد مساحة تُعاد هندستها وفق منطق المقاولات والمضاربات. فهل سيقف أهل المحمدية متفرجين، أم أنهم سيعيدون رسم قواعد اللعبة؟