المعارضة في المغرب: بين مسرحية الديمقراطية وفتات الامتيازات

ضربة قلم
في المغرب، حيث لا تزال الديمقراطية تدور في فلك الشعارات، وحيث تسعى السلطة إلى ترتيب المشهد العام بدقة متناهية حتى تبدو الصورة “نموذجية” للعالم الخارجي، تبدو المعارضة وكأنها تؤدي أدوارًا محسوبة بعناية. لم تعد المعارضة في مفهومها الكلاسيكي قائمة على التنازع الحقيقي حول السياسات والقرارات، بل تحولت إلى مشهد مسرحي حيث الكل يردد ما يُنتظر منه، مع بعض الأصوات المتباينة التي لا تهدف إلى التغيير بقدر ما تهدف إلى إضفاء لمسة “الاختلاف” على لوحة التحكم العامة، حتى لا يقال إننا نفتقر إلى الرأي الآخر، وحتى يتم تسويق “الاستثناء المغربي” باعتباره نموذجًا فريدًا من الديمقراطية الناشئة، ديمقراطية طال انتظارها ولا تزال في مرحلة التشكيل الأبدي.
لكن إذا كانت المعارضة السياسية قد تحولت إلى أداة من أدوات ضبط المشهد، فإن النقابات لم تكن في منأى عن هذه اللعبة. كيف يمكن لعاقل أن يصدق أن قانونًا معينًا، وليكن أي قانون رقمه “كذا”، يعرض أمام البرلمان فيتمت المصادقة عليه، لتمر الأيام بهدوء، وفجأة تستيقظ النقابة وكأنها تفاجأت بمحتواه، لتبدأ جولة من الاحتجاجات والمزايدات التي تبدو أشبه بمسلسل رديء الإخراج بعنوان “الضحك على الذقون”. إنها الحيلة القديمة ذاتها، حيث يتم الإيحاء بأن هناك شد وجذب بين النقابات والحكومة، فيما الجميع يعلم أن الأمور محسومة سلفًا، وأن كل طرف يؤدي دوره كما تم الاتفاق عليه في الكواليس، مع ترك مساحة صغيرة للمفاجآت المسرحية حتى يبدو المشهد أكثر مصداقية.
لكن الطرافة الحقيقية ليست في أداء النقابات لدورها في اللعبة، بل في تلك الشخصيات التي كانت ذات يوم تصرخ بأعلى صوتها ضد الظلم والفساد، والتي كانت تدّعي الدفاع عن حقوق المستضعفين، ثم وجدت نفسها بقدرة قادر في مناصب سياسية أو داخل الجمعيات والهيئات، تتحرك بين هذه وتلك، مستفيدة من مزايا الصمت المريح. لقد تحولت المعارضة إلى محطة عبور نحو الامتيازات، فمن كان صوته مرتفعًا في الماضي بات الآن يستفيد من رحلات إلى مؤتمرات هنا وهناك، ومن مناصب صورية تجعل وجوده شكليًا لكنه مستفيد في كل الأحوال. أما تلك الفئة التي عاشت طويلًا على شعار “كان غاوتو باش نتقاوتو”، فقد تسلمت نصيبها من فتات… ليس الفتات فقط، بل فتات فتات الفتات، ليصبح صراخها مجرد ذكرى، واحتجاجها مجرد دخان تلاشى مع أول فرصة سانحة.
إنها اللعبة التي يعرف الجميع قواعدها، لكن لا أحد يعترف بها علنًا. فالجميع يدرك أن ما يسمى بالمعارضة ما هو إلا جزء من هندسة دقيقة للمشهد السياسي، وأن النقابات تؤدي أدوارها وفق ما تمليه المصلحة العامة لمنظومة لا ترغب في مفاجآت غير متوقعة. أما أولئك الذين احترفوا الاحتجاج في الماضي، فقد وجدوا أن الاعتراض الصاخب قد يكون وسيلة للوصول، لكنه ليس بالضرورة وسيلة للبقاء. وحينما تتداخل المصالح، يصبح التفاوض على الصمت أكثر جدوى من الصراخ، خاصة عندما يكون الصمت مدفوع الثمن، ولو كان بثمن الفتات… أو حتى فتات الفتات.