
ضربة قلم
في زمن أصبح فيه السوبرمارشي يشبه قاعة امتحان بدون ورقة مسودة، و”المارشي” العمومي أكثر إثارة من أفلام الرعب… قرر المواطن المغربي أن يخرج في مغامرة يومية اسمها: “التبضع أو الموت البطيء”!
نحن لا نتحدث عن رفاهية ولا كماليات، بل عن الخبز، الزيت، الحليب، البطاطا، والبصلة… نعم البصلة التي أصبحت في بعض المناطق تُحرس كأنها سبائك ذهب. المواطن يدخل السوق في الصباح كأنّه على موعد مع المجهول: يحمل لائحة صغيرة جدًا، لكن قلبه ممتلئ بالخوف من الفاتورة النهائية.
“واش ندي البطاطا ولا الزيت؟”،
“واش نبدل سروال وليدي ولا نشري باكية شاي؟”،
“واش نكمّل الشهر ولا نكمّل الصلاة؟”
هذه ليست نكتًا… هذه الأسئلة الفلسفية الكبرى لمغرب 2025.
الأسعار ترتفع بلا حياء، والرواتب تنام نوم أهل الكهف. والجواب الرسمي الجاهز:
“الأسعار دولية، والعوامل خارجة عن إرادتنا”.
جميل. لكن السؤال هو: من يتحمّل إرادتنا نحن؟ من يحمي هذا الشعب من النزيف اليومي؟
عندما يصبح المواطن “كوماندو اقتصادي”
المواطن المغربي اليوم هو بطل من أبطال الكوماندوز، يتسلل من محل إلى آخر بحثًا عن التخفيضات، يصطاد العروض مثل قناص محترف، ويحمل الآلة الحاسبة في عقله كما يحمل الجندي سلاحه.
لقد تحول التبضّع من “نشاط روتيني” إلى مهمة تكتيكية دقيقة، تحتاج إلى تخطيط، ومقارنة، ومهارات تفاوض تُدرّس في كليات التجارة!
الطامة الكبرى؟ هي حين يقرر المسؤول أن “يطمئن الشعب”:
“الوضع تحت السيطرة”، يقول.
والمواطن يرد: “آه، تحت السيطرة… ديال من؟ السماسرة؟ المضاربين؟ ولا الحيتان اللي كايتغذّاو على أجسادنا؟”
العدالة الاجتماعية ماتت عطشا في السوق
أصبحنا أمام مغرب بطبقتين:
فئة لا تسأل عن الأسعار لأنها تشتري من كتالوجات عالمية.
وفئة تسأل عن الأسعار قبل أن تسأل عن أحوال أولادها.
الأسر التي كانت قبل سنوات تعيش بكرامة، أصبحت اليوم تدفع الثمن مرتين: مرة في السوق، ومرة في كرامتها.
الأم التي كانت تعد وجبة غذاء بـ”نية طيبة”، أصبحت اليوم “تخترع” طبخات اقتصادية من لا شيء.
والأب الذي كان يناقش السياسة أصبح يناقش “ثمن اللتر ديال الزيت”، ويتجنب المرور قرب محلات الجزارة حتى لا يُصاب بإغماءة لحمية.
حكومة التطمين و”الشفوي”
الحكومة بدورها تمارس هواية التطمين، تارة بالحوار، وتارة بالبلاغات التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع.
هل جربتم أن تدفعوا فواتير الماء والكهرباء ببلاغ؟
هل جربتم أن تشتروا كيلو بطاطا بـ”نوايا حسنة” أو بـ”مخطط استعجالي قادم”؟
كفانا عبثًا. الشعب لا يحتاج إلى تطمينات، بل إلى إجراءات ملموسة. نريد من يضع حدًا لهذا الجشع، من يقنص المضاربين بدل الاكتفاء بنشرات الأخبار المنمقة.
إلى أين؟
إلى السكتة. نعم، إلى السكتة الاقتصادية والاجتماعية والمعنوية… إذا استمر هذا الوضع.
لكن، لا زال هناك بصيص أمل: أن يدرك هذا الشعب قوته، أن يتحرك، أن يرفع صوته لا بالصراخ فقط، بل بالوعي والضغط والمساءلة.
لأننا باختصار، لا نريد أن نموت في طابور الخضر، ولا أن نعيش على هامش العدالة.