المغاربة بين وهم الأمن وحقيقة انعدام الثقة!

ضربة قلم
كشفت دراسة حديثة للمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية عن انخفاض مخاوف المغاربة بشأن الأمن، حيث صرّح 84.7% من المواطنين بأنهم يشعرون بالأمان بدرجة كبيرة أو كافية، مقابل 15.3% فقط عبّروا عن شعورهم بعدم الأمان. هذا التراجع في المخاوف الأمنية، مقارنة بعام 2016، قد يبدو مؤشرًا إيجابيًا، لكنه يطرح تساؤلات عميقة حول مدى ارتباطه بالواقع الملموس.
في المقابل، رغم هذا التحسن الظاهري في الإحساس بالأمن، فإن الدراسة تسلط الضوء على أزمة أكثر تعقيدًا تتعلق بانعدام الثقة بين الأفراد. فقد ارتفع مستوى الثقة بين الأشخاص بشكل ملحوظ، لكنه لا يزال ضعيفًا، حيث يرى أربعة من كل خمسة مغاربة أن الناس ليسوا جديرين بالثقة. رغم تضاعف نسبة المغاربة الذين يثقون في الآخرين من 5% عام 2016 إلى 20% عام 2023، إلا أن 80% لا يزالون يؤمنون بأن قلة فقط تستحق الثقة.
هذه الأرقام تطرح مفارقة غريبة: كيف يمكن لمجتمع أن يشعر بأمان أكبر، بينما تغيب الثقة بين أفراده؟ الإجابة قد تكمن في التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي عرفها المغرب خلال السنوات الأخيرة، والتي ربما عززت من الشعور بالأمن في المجال العام، لكنها لم تنجح في ترميم جسور الثقة بين الأفراد.
المثير في الدراسة أيضًا هو أن الأزمة لا تتعلق فقط بانعدام الثقة في الأفراد، بل تعكس أزمة أعمق في البنية الاجتماعية. ففي الوقت الذي يتم فيه الترويج لتحسن الإحساس بالأمن، لا يزال الشارع المغربي يعجّ بقصص النصب والاحتيال والجرائم التي تزرع الشك في النفوس. هل تحسن الأمن فعليًا، أم أن الإحساس به مجرد وهم تغذيه حملات إعلامية وسياسات تهدف إلى طمأنة الرأي العام؟
يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كان هذا التحسن في الإحساس بالأمن يمكن أن يترجم إلى واقع أكثر استقرارًا، أم أنه مجرد قشرة هشة تخفي تحتها أزمة ثقة متجذرة في المجتمع المغربي. الحقيقة أن الأمن لا يقتصر على الإحساس به فقط، بل يشمل أيضًا بناء مجتمع متماسك قائم على الثقة، وهو ما لا تزال الأرقام تشير إلى أنه بعيد المنال.