المغرب العميق… وأخوه المغرب الافتراضي!

ضربة قلم
في مكان ما بين الواقع والخيال، يعيش المغرب… لا، بل يعيش “مغربان” متوازيان لا يلتقيان إلا في نشرات الأخبار وخطابات الحملات الانتخابية.
المغرب الأول: مغرب “العالم القروي”، حيث الطريق معبّدة بالحفر، والمدرسة تبعد ساعة مشي على الأقدام (إذا لم تغرق في الطين المبلل)، والمستوصف شبيه بكهف علاجي يشتغل مرة كل قمرين. الكهرباء موجودة كفكرة، والماء يصل أحيانًا مع رسائل الشكر من وزارة التجهيز.
المغرب الثاني: مغرب “اليوتوبيا الرقمية”، حيث نقرأ عن مدن ذكية، قطارات أسرع من التفكير، وذكاء اصطناعي يراقب المرور (في شارع لم يُكمل التبليط منذ 1997). نُشاهد الوزراء على LinkedIn يتحدّثون عن “المواطن الرقمي”، بينما بعض المواطنين لم يصلهم بعد “راديو بلوتوث”.
الوزير يتكلّم عن الثورة الصناعية الرابعة، والمواطن يبحث عن علبة سردين لم تتضاعف مرتين هذا الأسبوع. رئيس الجهة يفتتح مشروع “تثمين نفايات التكنولوجيات الحديثة”، والحي المجاور لا يزال يستعمل شموعًا “تقليدية” من إنتاج محلي.
في هذا المغرب، البطالة ليست فقط أرقامًا تزيّن التقارير، بل فلسفة عيش. الشاب الحاصل على الماستر في البيولوجيا قد ينتهي به المطاف يشرح تركيب الخلايا داخل “طاكسي كبير”، بينما صديقه الحاصل على الباك بصعوبة يستورد ساعات تقليد من تركيا ويُلقّب نفسه “رائد أعمال”.
ولا أحد يسأل كيف وصلنا هنا. لأن السؤال خطير، والإجابات مزعجة، وأحيانًا فيها أسماء.
العدالة المجالية… و”اللي دار الذنب يستاهل العقاب الرقمي“
حين يتحدث المسؤولون عن العدالة المجالية، يقصدون غالبًا خريطة من PowerPoint تُعرض في ملتقى حضره 13 شخصًا و17 كاميرا. بينما القرى التي في تلك الخريطة، لا تزال تنتظر قنطرة تحمي أبناءها من الغرق في الوادي كل موسم شتاء.
في المغرب، السياسة لا تُقاس بالبرامج بل بالمشاعر. وإذا فشل الوزير، فالمواطن هو المخطئ لأنه لم “يواكب الرؤية”. المواطن دائمًا تحت الشبهة: إما لم يفهم، أو لم يصبر، أو لم يحترم روح الابتكار الحكومي.
حين يُصبح الأمل مرمّماً
رغم كل شيء، ما زلنا نأمل. نأمل في إصلاح التعليم، ونحن ندرس أبناءنا دروس “الأنشطة المندمجة” في أقسام بدون أبواب. نأمل في الصحة، رغم أننا نحمل معنا الدواء عند الذهاب للطبيب. نأمل في مغرب جديد، لأن القديم لم يعد يكفي حتى للنكت.
ومع ذلك، المغرب بلدٌ جميل. ليس لأنه كامل، بل لأنه يضحكنا حينما نكاد نبكي. لأن شعبه بارع في تحويل المعاناة إلى نكتة، والفساد إلى أغنية، والتهميش إلى الموضة.
الخلاصة؟ في المغرب، قد لا تجد كل حقوقك، لكنك ستجد قصة ترويها، مادة تضحكك، وسؤالاً يحيرك:
هل نحن في مغرب الواقع… أم أننا ضيوف دائمون في مغرب الوهم المؤقت.