مجتمع

المغرب: بلد الثروة المسروقة والشعب المنهوب

م-ص

رغم كل الشعارات الرسمية التي تتحدث عن التنمية، والعدالة الاجتماعية، والانتقال الديمقراطي، يعيش المغرب اليوم تناقضًا صارخًا بين ما يُقال في الخطابات، وما يعيشه المواطن على أرض الواقع. بلد غني بالموارد، لكنه يُدار بمنطق إقطاعي يُعيد إنتاج الفقر، ويكرّس احتكار الثروة، ويقمع كل من يجرؤ على طرح السؤال.

يُعد المغرب من أغنى بلدان إفريقيا من حيث الموارد الطبيعية، لكنه ضمن أفقر دول العالم من حيث توزيعها. يحتكر عدد محدود من العائلات والدوائر المقرّبة من السلطة مصادر الدخل الكبرى، بينما يعاني ملايين المواطنين من التهميش، وانعدام الحماية الاجتماعية، وتردي الخدمات الأساسية. مأساة لا تفسَّر بضعف الإمكانيات، بل بوضوح النهب الممنهج.

الفوسفاط، الثروة البيضاء التي يتباهى بها المغرب في الأسواق العالمية، لا أثر لها في المعيش اليومي للمغاربة. يُستخرج من باطن الأرض ويُصدَّر بمليارات الدولارات، دون أن يُستثمر عائدُه في التعليم العمومي أو الصحة أو البنيات التحتية. كل ما يصل المواطن هو الفتات، بينما تُبنى القصور والمشاريع الكبرى التي لا تُعنى بحياته ولا بقضاياه.

الأمر لا يختلف كثيرًا في قطاع الثروة السمكية. المغرب، بسواحله الممتدة، يملك واحدة من أغنى المصايد البحرية في المنطقة، لكنه أصبح بلدًا يصعب على مواطنيه اقتناء السمك بأسعار معقولة، لأن جلّه يُصدَّر للخارج، وتُمنح امتيازات الصيد لأطراف تحتكر السوق، وسط تهميش ممنهج للصيادين الصغار، وتجاهل لمطالب الجهات الساحلية في الإنصاف والعيش الكريم.

وحين ننتقل إلى أعماق الأرض، نُصدم بمفارقة أكثر فجاجة. تُستخرج المعادن النفيسة من جبال المغرب يوميًا: الذهب، الفضة، النحاس، الزنك، وغيرها من الثروات التي تُنقل عبر الشاحنات الثقيلة من مناطق هامشية تعاني العطش، والجوع، والعزلة. لا مدارس، لا مستشفيات، ولا حتى طرق معبدة. فقط مسالك للنهب.

ثمّة ما هو أكثر مرارة: تقنين زراعة القنب الهندي، الذي رُوّج له كخطوة إنصاف للمزارعين في الشمال، تحول إلى مشروع اقتصادي تُهيمن عليه شركات كبرى بعيدة عن الساكنة الأصلية. عشرات الآلاف من العائلات التي عاشت لعقود من زراعة “الكيف” بين الجبال، تُركت اليوم أمام المجهول، بينما تُوزَّع العقود والمشاريع الاستثمارية على وافدين لا يعرفون شيئًا عن تاريخ الأرض ولا عن تعب من فلحها.

وبينما يُروّج المغرب نفسه كنموذج في الطاقات المتجددة والاستثمار الأخضر، يتم تفويت الأراضي الفلاحية الخصبة لمستثمرين لا يساهمون في تنمية المنطقة، بل يغيرون وجهها الاجتماعي والديمغرافي لصالح مشاريع تجارية فاخرة، تقصي الفلاحين الصغار وتدفعهم نحو الهجرة القسرية. التنمية في المغرب، للأسف، أصبحت حكرًا على المترفين، بينما يُطلب من الفقراء الصبر والتضحية باسم “مصلحة الوطن”.

ووسط هذا الانهيار، أصبح الإعلام مجرد بوق يُسوّق الإنجازات الرسمية دون أدنى حس نقدي أو استقلالية. اختفى صوت الصحافة الحرة تقريبًا، بفعل الاعتقال، أو النفي، أو التجويع المالي. لا يُسمع إلا صوت الموالين، ومؤثري “البروباغندا”، ومنصات تُدار في الظل لتبرير كل اختلال، وشيطنة كل احتجاج.

النتيجة واضحة: وطن تُنهب خيراته في العلن، بينما يُسجن أبناؤه حين يصرخون. شعب يُطالب بالصبر، بينما ينعم غيره بالامتيازات. دولة تُدار بمنطق “الضيعة”، حيث تُوزَّع الثروات وفق معايير الولاء لا الكفاءة، ويُقاس الانتماء بمدى القدرة على الصمت.

الوطن ليس فقيرًا، بل مُفقر. والثروات ليست مفقودة، بل مسروقة. والعدالة ليست غائبة، بل مغيَّبة عمدًا. والمؤلم في كل هذا أن من يُفترض أن يُدافع عن الشعب، من مؤسسات ونخب وأحزاب، إما صامت أو متورط أو عاجز.

في المغرب، لا يبدو أن الفقر قدر، بل نتيجة واضحة لسياسات مقصودة. وما لم تُفتح الملفات الكبرى بشفافية، وما لم يُحاسَب من ينهبون البلاد، فإن الصمت الشعبي سيتحول يومًا إلى غضب لن يوقفه الإعلام، ولن تُخدّره الخطابات.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.