المغرب.. بلد “المواطن الممتاز” و”البقية”

م-ص
يقال إن الشمس تشرق على الجميع، لكن في المغرب يبدو أن بعض العائلات تمتلك حقوق توزيع أشعتها! في بلد يدّعي تكافؤ الفرص، يعيش بعض المواطنين في قصور يقطر منها العسل واللبن، بينما يكتفي الآخرون بحلم سقف لا ينهار فوق رؤوسهم. الفرق؟ ضربة حظ عائلية، أو بالأحرى “ضربة مخزنية” جعلت من بعض الأسر الجديدة في نادي الأثرياء أصحاب القرار، بينما تُركت الكفاءات الحقيقية لتبحث عن “فيزا” الخلاص من هذا الواقع المرير.
في المغرب، ليست المشكلة فقط في الفقر أو البطالة، بل في الفرز الطبقي الذي أصبح واضحاً أكثر من أي وقت مضى. هناك فئة تعيش “حياة الملوك”، تتنقل بين أفخم الفنادق وتدير المؤسسات المالية كأنها مزارع شخصية، وتعتبر الموظفين مجرد “خدم القصر”. وبينما يُعاني البعض من أجل الحصول على فرصة عمل، تتوزع المناصب العليا بين الأصهار والمقربين، في مشهد يُعيد إنتاج الأرستقراطية الإقطاعية لكن ببدلات رسمية وسيارات فاخرة.
مواطِنون.. ولكن بدرجات!
“المواطن الممتاز” هو الذي ولد في الحاضنة المخملية، حيث الفرص توضع في طريقه على طبق من ذهب. لا يحتاج إلى اجتياز مباريات التوظيف، فكل الأبواب مفتوحة أمامه بفضل شجرة العائلة المباركة. يتم “تنصيبه” في المناصب العليا دون الحاجة إلى إثبات أي كفاءة سوى حسن اختيار والديه قبل ولادته!
أما “المواطن العادي”، فهو مجرد رقم في البطاقة الوطنية، يناضل يومياً لإثبات حقه في العيش الكريم. يجتاز المباريات، يحمل الشهادات، يتقن اللغات، لكنه يُستبدل في آخر لحظة بابن فلان أو صهر علان. إذا لم يعجبه الوضع؟ فليتوجه إلى قنصليات أوروبا حيث الطوابير الطويلة تبدأ عند منتصف الليل، في انتظار تأشيرة “الهروب الكبير”.
ثم هناك “مواطن الدرجة الرابعة”، الذي يسكن في مناطق لا تصلها إلا أخبار الصفقات الكبرى والمشاريع الوهمية. يعيش في قرى تحلم بالكهرباء، وأحياء هامشية تفيض بالأوحال عند أول زخة مطر. كل ما يمكنه فعله هو الاستماع إلى خطابات التنمية والتوزيع العادل، بينما تستمر الفوارق في الاتساع، وتبقى “الرفاهية” حكراً على البعض.
الميز الطبقي: حقيقة لا تخطئها العين
الحديث عن التمييز الاجتماعي في المغرب ليس مجرد تهويل، بل واقع يومي يلمسه الجميع. كيف نفسر أن الشركات الكبرى والمؤسسات المالية يديرها نفس الوجوه، بنفس الألقاب العائلية، بينما تُركت العقول النابغة إما للهجرة أو للعمل برواتب هزيلة تحت إمرة “السيد المدير” الذي لم يضطر يوماً إلى كتابة سيرة ذاتية؟
الأدهى من ذلك، هناك فئة من “حديثي النعمة” الذين لم يعرفوا معنى الجهد في حياتهم، لكنهم الآن يتصرفون كأسياد العصر الجديد. تجدهم يحتقرون المواطنين، ينظرون إلى الموظفين كعبيد، ولا يقبلون بأي انتقاد لأنهم “يملكون” جزءاً من القرار الاقتصادي أو السياسي. هؤلاء لا يمثلون “طبقة غنية”، بل طبقة متسلقة وجدت نفسها فجأة في موقع سلطة، وبدل أن تُصلح النظام، أصبحت تمارس نفس الميز الذي عانت منه في الماضي.
الحلول؟ أم أن السؤال ممنوع؟
عندما تُطرح أسئلة عن الحلول، تكون الإجابة دائماً مليئة بالشعارات الجوفاء. هل سيُفتح باب المناصب العليا على أساس الكفاءة؟ هل سيتم توزيع الثروات بشكل أكثر عدلاً؟ هل ستُلغى سياسات “ولد فلان” و”صهر فلان”؟ على الأرجح، ستظل هذه الأسئلة مجرد تمنيات، لأن الواقع يقول إن “المواطن الممتاز” سيظل ممتازاً، بينما البقية تواصل المعاناة أو تحجز مقعدها في طائرة الهجرة أو قارب الخلاص.
وفي انتظار التغيير، لا يسعنا إلا أن نصفق للواقع، حيث لا مكان للصدف، بل لكل شيء حساباته.. إلا أحلام البسطاء، فهي بلا حساب!