
ضربة قلم
منذ عقود، يعيش المغرب على إيقاع الوعود المتكررة بالإصلاح، والتنمية، والعدالة الاجتماعية، لكن الواقع الذي يتكشف أمام الملايين من المغاربة يشير إلى مسار مغاير تمامًا. فرغم مظاهر التقدم الاقتصادي والاستثمارات الضخمة التي يفتخر بها المسؤولون، يبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: لمن تُصنع التنمية؟ ومن المستفيد الحقيقي من الثروات الوطنية؟
اقتصاد الريع: هندسة الامتيازات واحتكار الثروة
في صلب الإشكاليات الاقتصادية التي يعاني منها المغرب، يقف نظام الريع بكل تجلياته. حيث تتكدس الثروات في أيدي قلة محظوظة، بفضل الامتيازات الخاصة والعلاقات النافذة، بينما تظل الأغلبية محرومة من فرصٍ حقيقية للارتقاء الاجتماعي. القطاعات الاستراتيجية، مثل الفلاحة والصيد البحري والعقارات، تُدار بعقلية الاحتكار، مما يعزز الفوارق الاجتماعية ويُبعد شريحة واسعة من المواطنين عن دائرة الاستفادة من ثروات البلاد.
السياسة بين الترويض والتهميش
السياسة في المغرب أشبه بحلبة يتحرك فيها اللاعبون وفق قواعد محسومة سلفًا. الأحزاب، التي يُفترض أن تكون صوت الشعب والمدافع عن مصالحه، تحولت إلى كيانات ضعيفة تابعة، تفتقر إلى الجرأة في طرح القضايا الحقيقية. فالقرارات المصيرية تُطبخ في دوائر ضيقة، والإصلاحات الموعودة غالبًا ما تنتهي كوعود موسمية لا تجد طريقها إلى التنفيذ.
التعليم والصحة: عندما تصبح الحقوق امتيازًا
في الدول التي تحترم مواطنيها، يُعتبر التعليم والصحة أعمدة أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية، لكن في المغرب، باتا يُعاملان كسلع، لا يحصل عليها إلا من يملك القدرة المالية. فالتعليم العمومي يعيش حالة انهيار تدريجي، في مقابل ازدهار المؤسسات الخاصة التي تحولت إلى استثمارات مربحة. أما الصحة، فباتت معضلة حقيقية؛ مستشفيات تفتقر إلى المعدات والأدوية، وأطباء يعملون في ظروف غير إنسانية، بينما تُوجه الميزانيات الضخمة إلى مشاريع بعيدة عن الحاجات الملحة.
شباب بلا أفق: بين الهجرة والمخدرات والتهميش
الشباب المغربي اليوم يعيش حالة اغتراب داخل وطنه. ففرص التشغيل محدودة، وأبواب الارتقاء الاجتماعي موصدة، مما يدفع الكثيرين إلى البحث عن خلاصهم في الهجرة السرية، أو الوقوع في دوامة المخدرات والجريمة. أما الذين يقررون البقاء، فيواجهون واقعًا يتسم بالإقصاء والتهميش، حيث تتحكم العلاقات والولاءات في تحديد المسارات المهنية والاجتماعية.
الإعلام والتعبير: حين يصبح الصوت الحر تهديدًا
رغم الحديث الرسمي عن الانفتاح الإعلامي وحرية التعبير، إلا أن الصحفيين والناشطين ما زالوا يواجهون تقييدًا متزايدًا. فالتعبير عن الرأي الناقد قد يُكلف صاحبه الملاحقة أو التضييق، مما يجعل الصحافة أداة لتجميل الواقع بدل تسليط الضوء على اختلالاته. وبدل أن تكون وسائل الإعلام منبرًا للمواطن، تحولت إلى أدوات ترويج لخطاب السلطة، ما يعزز القطيعة بين الدولة والشعب.
خاتمة: أي مستقبل ينتظر المغرب؟
المغرب يقف اليوم أمام مفترق طرق. فإما أن يُعيد النظر في سياساته الاقتصادية والاجتماعية، ويفتح المجال أمام توزيع عادل للثروات وإصلاح حقيقي يقطع مع عقلية الامتيازات، وإما أن يستمر في نفس النهج الذي يزيد الهوة بين الأغنياء والفقراء، ويؤدي إلى مزيد من الإحباط والتوترات الاجتماعية.
وحدها الإرادة الحقيقية للتغيير كفيلة بتحقيق مغرب أكثر عدلًا وإنصافًا لجميع أبنائه، لا لفئة محظوظة على حساب الأغلبية المسحوقة.