المغرب يعلن الحرب على تهريب الذهب: تشديد المراقبة لحماية الاقتصاد ومكافحة تمويل الإرهاب

ضربة قلم
تخوض الجمارك المغربية معركة جديدة ضد تهريب الذهب والأحجار الكريمة، معلنة عن خطة رقابية مشددة تزامناً مع اقتراب موسم العطل الصيفية، الذي يشهد عادةً ارتفاعاً ملحوظاً في حركة المسافرين عبر المنافذ الحدودية، خاصة المطارات والموانئ الكبرى. وتندرج هذه الحملة ضمن استراتيجية وطنية أشمل ترمي إلى مكافحة الجريمة الاقتصادية والمالية، بما فيها غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، التي تشكّل تهديداً مباشراً لأمن البلاد واستقرارها المالي.
تشديد الرقابة في النقاط الحدودية
أحد أبرز عناصر هذه الخطة يتمثل في تعزيز إجراءات التفتيش والمراقبة في أبرز نقاط العبور، وفي مقدمتها مطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضاء، الذي يُعدّ البوابة الجوية الأهم للمملكة، إضافة إلى الموانئ الكبرى مثل ميناء طنجة المتوسط وميناء الدار البيضاء.
وقد تمّ دعم الفرق الجمركية العاملة بهذه المنافذ بتجهيزات تقنية متطورة للكشف عن المعادن والأحجار الكريمة، إلى جانب زيادة عدد أعوان التفتيش المدربين خصيصاً على كشف أساليب التهريب الحديثة.
التركيز على الرحلات الدولية ووجهات معينة
تولي الجمارك اهتماماً خاصاً بالرحلات القادمة من مناطق يُشتبه في كونها مصدراً رئيسياً للذهب غير المصرح به، مثل بعض دول غرب إفريقيا أو الشرق الأوسط، حيث تنشط شبكات تهريب متخصصة تستغل ضعف الرقابة أو الثغرات القانونية في بعض الدول.
الذهب كأداة لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب
تعتبر السلطات المغربية أن تهريب الذهب لا يمثل فقط جريمة اقتصادية تقليدية، بل هو أيضاً أداة خطيرة تُستخدم في شبكات غسيل الأموال وتمويل الأنشطة الإرهابية.
فالذهب، لكونه أصلًا عالي القيمة، سهل النقل، وصعب التتبع، يُستخدم كوسيلة لتبييض الأموال غير المشروعة أو كتمويل غير مباشر للتنظيمات الإرهابية، عبر شبكات إجرامية عابرة للحدود.
ومن هذا المنطلق، تتعاون إدارة الجمارك المغربية بشكل وثيق مع الأجهزة الأمنية والمالية، بالإضافة إلى التنسيق مع شركاء دوليين لتبادل المعلومات، بما في ذلك الإنتربول والمنظمة العالمية للجمارك. ويهدف هذا التعاون إلى تتبع حركة الذهب المشبوه عبر الحدود وتفكيك الشبكات الإجرامية التي تقف وراءها.
تغير أساليب التهريب: تحدٍّ متجدد
ما يزيد من تعقيد المهمة هو تطور أساليب المهربين وتحوّر أنماط التهريب بشكل مستمر. فقد كشفت السلطات عن استخدام المهربين لطرق غير تقليدية، مثل:
- إخفاء الذهب داخل الأجهزة الإلكترونية أو في تجاويف الأمتعة المعدّلة خصيصًا.
- تهريبه عبر المسافرين العاديين مقابل مبالغ مالية زهيدة.
- تحويل الذهب إلى أشكال مجوهرات بسيطة أو سبائك صغيرة يصعب كشفها بالأجهزة التقليدية.
وقد أدى ذلك إلى اعتماد الجمارك المغربية على تقنيات أكثر تطورًا مثل أجهزة الكشف بالأشعة، والتعرف على أنماط السفر المشبوهة، وتحليل البيانات البيومترية والمسارات المتكررة للمسافرين.
الحرب على التهريب: جزء من معركة شاملة
يُنظر إلى هذه الحملة الجمركية باعتبارها جزءًا من سياسة أوسع لمكافحة الجريمة المالية المنظمة. ففي السنوات الأخيرة، تبنّى المغرب سلسلة من الإجراءات التشريعية والمؤسساتية لتعزيز قدراته على مواجهة غسيل الأموال، من بينها:
- إصدار قوانين جديدة تجرّم حيازة أو نقل الذهب غير المصرح به.
- تقوية دور وحدة معالجة المعلومات المالية التي تتابع الشبهات المالية.
- إرساء التعاون بين البنك المركزي والجمارك ومصالح الأمن والدرك الملكي.
كما تسعى الدولة إلى موازنة هذا التشدد الأمني مع تسهيل التجارة القانونية، من خلال وضع مساطر واضحة للتصريح بحيازة الذهب والمجوهرات للمسافرين، بهدف تجنّب إزعاج المواطنين العاديين وتشجيع التصريح الطوعي.
خاتمة: معركة مستمرة لحماية الاقتصاد الوطني
إن ما أعلنت عنه الجمارك المغربية من خطوات لمحاربة تهريب الذهب لا يعكس فقط حرصاً على حماية موارد الدولة ومداخيلها الجمركية، بل يُعد أيضًا رسالة قوية مفادها أن المغرب عازم على مواجهة الجريمة الاقتصادية بكل أشكالها، حمايةً لأمنه المالي والسيادي.
وفي ظل عالم يشهد تداخلاً متزايداً بين الشبكات الإجرامية والتمويل غير المشروع، تبرز أهمية مثل هذه الإجراءات كجزء لا يتجزأ من السياسات الاستباقية التي تنهجها المملكة للحفاظ على مكانتها كدولة مستقرة وآمنة في محيطها الإقليمي والدولي.