مجتمع

الملك والحاشية: استقرار الوطن بين الرؤية والواقع

الملك والحكمة التاريخية

محمد صابر

في سياق تطور الأنظمة الملكية، يمثل الملك الراحل الحسن الثاني نموذجًا حيًا للقيادة الحكيمة التي تتجاوز مجرد إدارة السلطة، إذ تركز على بناء أسس راسخة للاستقرار السياسي والاقتصادي على المدى البعيد. كان الملك الحسن الثاني على وعي تام بأهمية التحضير للمستقبل، خاصة فيما يتعلق بالانتقال السلس للسلطة بعد رحيله. ومن خلال تبنيه لسياسة التناوب، كان يسعى لضمان استمرارية النظام السياسي في المملكة، مما مكن المغرب من تجنب الأزمات التي قد تنجم عن تغييرات مفاجئة في القيادة.

من المهم أن نؤكد أن جوهر القيادة الحكيمة يكمن في قدرة القائد على التحضير للمستقبل. وقد بذل الملك الحسن الثاني جهدًا كبيرًا لترسيخ نظام سياسي قادر على ضمان الانتقال السلس للسلطة، مع العمل على تمهيد الطريق لجيل جديد من القادة من خلال سياسة التناوب. وكان بلباقته وحنكته يدرك تمامًا أن الحفاظ على استقرار المملكة بعد رحيله يتطلب توازنًا دقيقًا بين القوة والحكمة.

لقد حرص الملك الحسن الثاني على ضمان استمرارية المسار السياسي الذي أسسه دون أن يتأثر بتغييرات مفاجئة أو أزمات غير متوقعة، مع اعترافه بضرورة نقل السلطة برؤية متجددة، مع تأكيده على أن التوازن بين المؤسسات والقوى السياسية هو السبيل الوحيد لتأمين استقرار البلاد. وقد تجلى ذلك بشكل واضح في الاستقرار الذي ساد البلاد بعد رحيله، حيث أظهر الشعب المغربي كيف يمكن تحقيق الحكم بشكل متناغم وفعال.

استمرارًا لهذه الحكمة التاريخية، أطلق الملك محمد السادس نهجًا مماثلًا في إدارة شؤون المملكة، مستمرًا في تبني رؤية الإصلاح والتحديث. ومع ذلك، فإن نجاح استقرار الوطن لا يعتمد فقط على رؤية الملك وقدرته على إحداث التغيير، بل يتطلب أيضًا وجود حاشية وطنية قادرة على تنفيذ هذه الرؤية بشكل فعّال. الحاشية في هذا السياق لا تتعلق فقط بالمستشارين المقربين، بل هي شبكة معقدة من النخب السياسية والاقتصادية التي يُتوقع منها أن تساهم في تنفيذ مشاريع الملك لصالح البلاد.

في الوقت الحالي، يواصل الملك محمد السادس نهجه، ويركز على إرساء استقرار الوطن مع الإعداد الجيد لولي العهد لكي يكون جاهزًا لتحمل مسؤوليات المستقبل، متقنًا فنون القيادة ومتسمًا بحكمة سياسية تتناسب مع التحديات المقبلة. لكن هذا المسار لا يمكن أن يكتمل إلا بوجود حاشية مخلصة تعمل جاهدًا من أجل الوطن.

تعد الحاشية جزءًا أساسيًا في نجاح أي نظام ملكي، وفي المغرب، يتوقع من هذه النخب أن تتكون من أفراد قادرين على توجيه السياسة العامة بما يخدم مصلحة البلاد. إلا أن الواقع أحيانًا يبرز حقيقة أن بعض أفراد الحاشية قد يتجاهلون المصلحة العامة وينشغلون بمصالحهم الشخصية على حساب ما هو أهم. ومن هنا يبرز السؤال المهم: هل الحاشية دائمًا على قدر المسؤولية في تنفيذ رؤية الملك؟ أم أن البعض يسعى لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المصلحة الوطنية؟

تأثير الحاشية لا يقتصر على تقديم المشورة، بل يمتد ليشمل القدرة على تنفيذ المشاريع الملكية بشكل فعّال. ووجود الحاشية المخلصة يمكن أن يكون حاسمًا في تحويل الرؤى الملكية إلى مشاريع حقيقية على أرض الواقع. ولكن إذا انشغلت بعض عناصر الحاشية بتحقيق مصالحها الشخصية، فإن ذلك قد يصبح عائقًا أمام الإصلاحات المطلوبة، مما يهدد بتعطيل المسار الذي يسعى الملك لتحقيقه.

تواجه المملكة المغربية اليوم تحديات متعددة في طريقها نحو استقرار دائم، من تحقيق العدالة الاجتماعية إلى بناء مؤسسات قادرة على التفاعل مع الواقع المتغير بشكل مرن. وفي هذا السياق، تبرز أهمية الحاشية التي يجب أن تكون على قدر كبير من الوعي بالرهانات الوطنية. لا يكفي أن تكون هذه النخب موجودة فقط، بل يجب أن تتمتع بالكفاءة والحكمة في إدارة شؤون البلاد مع وضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.

إن الاستقرار الحقيقي في المغرب لا يتحقق فقط من خلال قوة قرارات الملك، بل من خلال وجود نخبة سياسية واقتصادية قادرة على تنفيذ هذه القرارات بحرفية واحتراف. وبتحقيق هذا التوازن بين السلطة الملكية وحاشية قادرة على التفاعل مع الواقع، يمكن أن يحقق المغرب مزيدًا من التقدم.

في هذه المرحلة، يتعين إعادة النظر في هيكل النخب المحيطة بالقرار والعمل على تعزيز ثقافة المسؤولية، بحيث تكون المحاسبة جزءًا لا يتجزأ من أي منصب يُمنح. لا ينبغي أن يشغل أي شخص منصبًا لمجرد أنه ينتمي إلى النخبة، بل يجب أن يتم اختياره بناءً على التزامه بمصلحة الوطن بعيدًا عن المصالح الشخصية.

لقد قطع المغرب أشواطًا كبيرة نحو الاستقرار والتنمية بفضل القيادة الحكيمة للملك محمد السادس، لكن المستقبل يتطلب خطوات أكبر نحو تعزيز هذه القيادة. ويجب على الحاشية أن تكون أكثر تفاعلًا مع التحديات الاجتماعية والاقتصادية، ليتمكن المغرب من تحقيق المزيد من النمو والازدهار.

إن الحكم لا يقتصر على سلسلة من القرارات التي تصدر من القصر، بل هو منظومة متكاملة تعتمد على الحكمة الملكية، والشجاعة السياسية، ونزاهة النخب الحاكمة. عندما تكون هذه النخب مخلصة في أداء واجبها، مدركة لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، ومكرسة جهودها لخدمة مصلحة الوطن، فإن النجاح سيكون حليفها في مختلف المجالات. أما إذا تراجعت هذه النخب عن الوفاء بمسؤولياتها أو انغمست في مصالحها الذاتية، فإنها تتحول إلى عبء ثقيل على النظام بدلاً من أن تكون ركيزة قوية تدعمه.

لكن يبقى التساؤل المحوري: هل الحاشية دائمًا على قدر المسؤولية؟ هل هي قادرة على الابتعاد عن المصالح الذاتية والعمل بما يخدم مصلحة الوطن؟ فقد يكون الجواب أن نجاح النظام الملكي في المغرب ليس مرتبطًا فقط بحكمة الملك وقراراته، بل أيضًا بقدرة الحاشية على تبني رؤيته والعمل بشكل منسجم لتحقيق الأهداف المرجوة.

إنها مسؤولية ضخمة تقع على عاتق الحاشية في المملكة، لأنها قد تكون العامل الحاسم في نجاح الملكية. عندما تعمل الحاشية بإخلاص من أجل استقرار الوطن وتقدمه، يصبح الاستقرار الوطني أكثر رسوخًا، والتقدم أسرع. لكن إذا انشغلت بعض عناصرها بمصالح شخصية، فإن ذلك قد يشكل عقبة أمام تحقيق هذه الأهداف.

الواقع يفرض على المغرب مواجهة تحديات كبيرة تتراوح بين تحقيق العدالة الاجتماعية، وبناء مؤسسات قوية قادرة على التفاعل مع الواقع المتغير. لذا، فإن دور الحاشية في هذه المرحلة حساس للغاية، فهي مطالبة بأن تكون في مستوى الرهانات الوطنية من خلال التزامها الكامل بتوجيهات الملك وبالمصلحة العليا للوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.