الملك يخاطب البرلمان.. والرد الهادئ على احتجاجات جيل زد

ضربة قلم
في وقتٍ يعيش فيه الشارع المغربي على إيقاع احتجاجاتٍ شبابية متفرقة، جاءت الكلمة الملكية أمام البرلمان بمثابة رسالة هادئة ولكن حازمة. لم يكن الخطاب موجهًا إلى المحتجين بالاسم، لكنه حمل ما يكفي من الإشارات لتُقرأ بين السطور: المشكل ليس في جيلٍ غاضب، بل في نخبٍ فقدت قدرتها على التأطير والإقناع.
لغة بلا غضب.. ومسؤولية بلا أعذار
الملك محمد السادس اختار أن يفتتح السنة التشريعية الأخيرة من الولاية البرلمانية بخطاب متزن، بعيد عن لغة التأزيم، وقريب من لغة المحاسبة الهادئة.
فيه إشادة بالعمل المؤسساتي، لكن أيضًا تنبيه صريح: لا مجال للتهاون في خدمة المواطن.
“لا نقبل أي تهاون في نجاعة ومردودية الاستثمار العمومي.”
جملة بدت كجرس إنذار لكل من يختبئ وراء المذكرات والتقارير بدل الإنجاز الملموس.
جيل زد في الخلفية
ورغم غياب أي إشارة مباشرة إلى احتجاجات الشباب الأخيرة، فإن الخطاب حمل ردًا غير معلن على تلك الموجة. الملك دعا البرلمانيين والأحزاب ووسائل الإعلام إلى تأطير المواطنين والتواصل معهم، في إشارة واضحة إلى الفراغ السياسي الذي جعل جيلًا بأكمله يختار الشارع بدل الحزب والمنظمة.
الرسالة الضمنية كانت واضحة: “من لم يسمع صوت الشباب اليوم، سيسمع صداه غدًا بطريقة مختلفة.”
العدالة الاجتماعية.. من الشعار إلى الالتزام
حين شدد الخطاب على “تحقيق عدالة اجتماعية ومجالية أكبر” و“تكافؤ الفرص بين أبناء المغرب”، كان ذلك بمثابة جواب جوهري على جوهر الاحتجاجات.
جيل زد لم يطالب بالحقائب أو المناصب، بل بالكرامة وفرص متكافئة، فجاء الخطاب ليؤكد أن هذا المطلب لم يعد خيارًا سياسيًا بل توجهًا استراتيجيًا للدولة.
ثورة هادئة داخل المؤسسات
الملك لم يعد ببرامج جديدة أو أرقام مبهرة، بل بشيء أعمق:
“التحول الكبير الذي نسعى إليه يقتضي تغييرًا ملموسًا في العقليات وفي طرق العمل.”
هنا بيت القصيد. فالخطاب لا يدعو إلى مزيد من المشاريع بقدر ما يدعو إلى تغيير طريقة التفكير والإدارة، في زمنٍ لم تعد فيه الخطط الورقية تقنع جيلاً يراقب ويقارن عبر شاشة هاتفه.
التراب أساس الثقة
من خلال حديثه عن “الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية” و“المناطق الجبلية والمراكز القروية”، وضع الخطاب اليد على جرحٍ عميق: الهوة بين المغرب النافع والمغرب المهمش.
فالملك لم يتحدث عن المدن الكبرى، بل عن القرى والواحات والسواحل، وكأنه يذكّر الجميع أن الثقة تبدأ من أبعد نقطة في الخريطة.
بين النداء والإنذار
الخطاب بدا في ظاهره هادئًا، لكنه في عمقه يحمل إنذارًا سياسيًا راقياً:
“المرحلة المقبلة لا تحتمل التبرير أو التلكؤ.”
دعوة إلى الإسراع في الإنجاز، لأن الزمن السياسي لم يعد يقاس بالولايات، بل بسرعة النتائج.
خلاصة
الخطاب الملكي الأخير ليس ردًا على الاحتجاجات بقدر ما هو تصحيح لمسار الدولة في علاقتها مع المجتمع.
هو خطاب يُعيد ترتيب الأولويات، ويقول بلغة الملك الهادئة:
“مطالب الشباب مشروعة، لكن الإصلاح الحقيقي يبدأ من تجديد النخب والعقليات قبل تجديد الشعارات.”




