المهنة: وريث.. حين يكون الانتظار وظيفة، والكسل منهج حياة!

ضربة قلم
في مجتمعاتنا، هناك مهن معترف بها رسميًا، كالطبيب والمحامي والمهندس، وهناك مهن غير مدرجة في أي تصنيف إداري لكنها تدرّ أرباحًا تفوق رواتب كبار المسؤولين، إحداها: “وريث محترف”. لا شهادة، لا خبرة، لا مجهود، فقط انتظار صبور لموعد مجهول يُحدّد فيه القدر ساعة الصفر، حيث يتحول الأب أو الأم أو حتى الجد إلى مجرد “عائق زمني” بين الوريث وحسابه البنكي المنتظر.
هؤلاء المحترفون في فن الترقب لا يعرفون طعم العمل، فالعمل لديهم أشبه بلعنة أصابت الطبقات الكادحة فقط. هم يؤمنون بنظرية اقتصادية بسيطة: “لماذا تتعب إذا كان هناك من تعب قبلك؟”. وبينما يستيقظ الناس صباحًا لهثًا وراء لقمة العيش، يستيقظ هؤلاء فقط ليتفقدوا حالة “المُورّث”، هل تبدو عليه أعراض وهن؟ هل بدأ يكثر من زيارة الأطباء؟ هل اشترى قبعة سوداء؟ (علامة سيئة جدًا بالنسبة لهؤلاء!).
الوريث المحترف لا يحتاج إلى شهادة جامعية، لكنه يمتلك قدرات استثنائية في فن التحليل والتخطيط الاستراتيجي، فهو يعرف تمامًا كيف يتعامل مع المرحلة الانتقالية قبل موعد “الانفراج المالي”. هناك من يبدأ في مدح والده والتقرب منه حتى يضمن “حصة الأسد” في توزيع التركة، وهناك من يتبنى تكتيكًا أكثر وقاحة: يبدأ في ترويج الشائعات بين العائلة حول ضعف الحالة العقلية للأب حتى يحصل على الوصاية القانونية مبكرًا.
أما “الورثة العاطفيون”، فهؤلاء يعيشون في توتر دائم. هم لا يتمنون المصيبة، لكنهم لا يمانعون في الاستفادة منها عند وقوعها. تجدهم يسألون الطبيب بقلق مصطنع: “دكتور، هل هناك أمل؟” وإن كانت الإجابة “لا”، يحاولون إخفاء ابتسامتهم بصعوبة بالغة.
بمجرد أن ينفض المعزون، يتحول البيت إلى ساحة معركة: “فين الدفتر العقاري؟”، “فين ترك المفاتيح؟”، “واش عندكم شي وثيقة تثبت أن الدار باسمي؟”. وهنا تبدأ لعبة “من يأخذ ماذا؟”، حيث يطالب الجميع بحقوقه التي لم يبذل فيها قطرة عرق. البعض يرث العقارات، والبعض يرث الأموال، والبعض يجد نفسه في القائمة السوداء لسبب مجهول، فيقرر الطعن في الوصية أو مقاضاة إخوته بتهمة “السرقة”.
وبعد أن تُحسم المعركة، ينقسم الورثة إلى أنواع. المحترف يُسرع إلى وكالة السيارات الفاخرة لاقتناء رباعية الدفع، لأن “إرث الأب لا يُمكن أن يُصرف على سيارة شعبية!”. أما المهرج الليلي، فيقضي لياليه في علب السهر الفاخرة، محاطًا بـ”سفيرات النوايا الطيبة”، اللواتي يمتلكن قدرة سحرية على إقناع أي وريث أنه أهم شخص في الكون، قبل أن يفيق يومًا ويجد نفسه مفلسًا. أما الخبير المالي الفاشل، فيحاول الاستثمار لكنه لا يفهم شيئًا في السوق، فينتهي به الأمر يخسر كل شيء، ويبدأ في البحث عن قريب مسن آخر يمكنه “تبنيه” حتى يعيد الكرة من جديد.
المصيبة الكبرى، أن معظم هؤلاء لا يمتلكون أي مهارات تمكنهم من إعادة بناء ثرواتهم إذا انتهت. هم فقط يتقنون الإنفاق، لا الإنتاج. وبمجرد نفاد الإرث، يتحولون إلى شخصيات كئيبة، يجلسون في المقاهي يتحدثون عن “أيام المجد”، وكيف كانت أيامهم مختلفة قبل أن “يأكلهم الزمن”. البعض منهم يبدأ البحث عن زواج مصلحة مع وريثة أخرى، في محاولة يائسة لإحياء أمجاده المالية.
وفي النهاية، يبقى الإرث امتحانًا صعبًا، لا ينجح فيه إلا من عرف كيف يحوله إلى قيمة مضافة، أما البقية، فمصيرهم الإفلاس والتذمر والتسول العاطفي، أو في أسوأ الحالات… الانتظار من جديد، لعل أحد الأقارب يُغادر الحياة قريبًا، فيبعث فيهم الأمل مجددًا!