مجتمع

الموظفون الجماعيون تحت الصفر: تكوين بثمن الكرامة!

ضربة قلم

يا سلام على التكوين من أجل النهوض بالمنظومة الصحية المحلية! فكرة رائعة، ورؤية ثاقبة، ومجهود حكومي يستحق… دقيقة واحدة فقط… تصفيقة فارغة! لأن الواقع، كالعادة، لا يشبه لا الفكرة ولا الرؤية ولا حتى المجهود!

الموظفون الجماعيون، أولئك الجنود المجهولون الذين قبلوا بتغيير مجرى حياتهم المهنية والإنسانية، والارتماء في أحضان التمريض والتكوين الصحي، وجدوا أنفسهم عالقين بين مقر سكنى لا يرحم، ومعهد عالٍ لا يعترف بميزانياتهم المتواضعة. مشروع طموح؟ ربما. لكن بمنظورهم، هو أقرب إلى مغامرة دون مظلة، أو لنقلها بصراحة أكثر: رحلة تكوينية بلا بنزين ولا شطائر ولا حتى ثمن القطار.

تخيل أنك موظف بسيط، بالكاد تغطي راتبك أقساط القروض وفاتورة الحليب، فتجد نفسك مجبراً على التنقل يومياً من سيدي بنور إلى الدار البيضاء، أو من ابن جرير إلى مراكش، من أجل تكوين قد يستغرق ثلاث سنوات، دون تعويض عن التنقل، دون مبيت، دون كلمة “تحفيز” في نص الاتفاقية. يعني، فقط أنت وجيوبك الممزقة في مواجهة “التمريض العالي”.

والأطرف؟ الاتفاقية كتبت بنبرة متفائلة جداً، وكأنها موجهة لأبناء الطبقة المخملية، أولئك الذين يتدربون على التطوع من شدة الوفرة. المادة 4 والمادة 5 تتحدثان عن تعويضات التنقل، مصاريف الدراسة، وحتى “الكابتشينو أثناء الاستراحة”… لكن التطبيق؟ يشبه شيئاً بين الخيبة الإدارية والنكران المؤسسي. الموظفون يسألون: “فين هو التعويض؟” والجواب يأتي في شكل صدى داخل قاعة مهجورة: “فين هو التعويض… فين هو التعويض… فين هو…”

بعضهم انسحب. انسحب بصمت يشبه انسحاب الجنود في معركة غير متكافئة. لا لشيء، فقط لأن 200 درهم يومية في التنقل أكلت الأخضر واليابس من جيوبهم، ولأن الراتب لا يُرَقَّع كلما ازداد عدد المحطات في الطريق نحو المعهد. أما عن “التكوين عن بعد”، فذلك أصبح يشبه أسطورة حضرية: نقرأ عنه في الاتفاقية، لكننا لم نره قط.

وحتى من لم ينسحب بعد، يصرخ داخلياً: “واش بغيتونا نكونو ممرضين ممتازين ولا متسولين ممتازين؟”. الناس راه ما بقاتش كتطلب الرفاهية، الناس بغات غير الحد الأدنى للكرامة التكوينية، شيء صغير اسمه تعويض على تكاليف التنقل، مبيت، أو حتى وعد صادق بالترقية عند التخرج. لكن لا شيء من هذا حصل، اللهم بعض الوعود الشفهية التي تذوب عند أول مواجهة مع جدول المصاريف.

والمصيبة؟ أن الرهان الحقيقي، حسب الرواية الرسمية، هو تغطية الخصاص المهول في أطر حفظ الصحة بالجماعات الترابية. آه والله؟ إذن لماذا لا تدعمون من وافق على دخول هذا المسار الشائك؟ أم أن الرغبة في حل الأزمة يجب أن تُمول من جيوب الفقراء؟ عادي جداً، موظف سلم 7 عليه أن يصبح سوبرمان، يتنقل، يدرس، يتدرب، يطبب، وربما يحمل الحقائب فوق ظهره… كله من أجل الوطن… ومن ماله الخاص.

باختصار، نحن أمام ملحمة وطنية، أبطالها موظفون أنهكتهم الحياة، وأرهقهم الإقصاء المالي، بينما تنتظر منهم الدولة أن يتحولوا إلى أطر صحية نموذجية دون أدنى شروط الحياة الكريمة. هو أشبه بـ”برنامج التكوين في ظروف غير إنسانية”، أو كما يحلو للبعض تسميته: التكوين في الجحيم، بنظام نصف-إداري ونصف-خيري.

لكن لا تقلقوا، ربما في نسخة مستقبلية من الاتفاقية، سيضاف بند جديد:
“كل من أكمل التكوين دون أن يفقد عقله أو يفلس، سيتم توشيحه بوسام “البقاء على قيد الحياة في ظل الغموض الإداري”.”

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الموظف الجماعي جابها في راسو لانه تعلق بإطارات نقابي لا تعرف إلا لغة المصالح ، اطارات فشلت في تحقيق مطلب واحد للموظف الجماعي الا وهو ملائمة نظامهم مع نظام موظفي الدولة ،
    الموظف الجماعي بين المطرقة والسندات بين كماشة الأغلبية وسهام المعارضة ، وبين أوامر المفوض لهم وبين جحيم التحقيقات التي تطالهم جراء تصرفات قاموا بها انطلاقة من أوامر شفاهية ،
    غياب التكوين ، غياب التحفيز ،غياب الاعتراف … هو حال الموظف الجماعي للأسف علما ان الموظف الجماعي هو من اسندت إليه أعمال جليلة وغاية في الخطورة اقصد تطبيق القانون سواء تعلق الأمر بقانون التعمير ، أو قانون الجبايات المحلية أو الحفاظ على الممتلكات ، أو تحصيل الديون و الباقي استخلاصه ، او تدبير المصالح للمرتفقين ، فكيف له ان يقوم بكل هذا وهو في آخر سلم الاهتمامات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.