الموظف الجماعي: حيط قصير في دولة التعليمات الشفاهية

أبو سمية الهواري
الموظف الجماعي… ذاك الكائن العجيب الذي يُفترض فيه أن يكون جندياً مجهولاً في خدمة الوطن، فإذا به يتحول إلى كومبارس رديء في مسرحية نقابية عبثية، لا هو بطل القصة ولا حتى صاحب دور ثانوي، فقط جاي باش يدوز السكات. دخل الساحة العمومية بنيّة العطاء فوجد نفسه عالقاً بين أنياب نقابات لا تُفرّق بين النضال وتصفية الحسابات، نقابات شغلها الشاغل تقاسم كعكة الامتيازات، وبحث دؤوب عن “الريزو” قبل أي ملف مطلبي. طلب منهم ملائمة النظام الأساسي، فصدموه بجواب فلسفي: “راه الوقت ما مناسبش دابا، خاصنا نكونو واقعيين“… ومن يومها وهو يعيش تحت رحمة نظام لم يُلائم حتى نفسه!
الموظف الجماعي، ذلك البائس، يُؤمر ولا يُناقش، يُكلف دون توقيع، يُحاسب ولا يُكافأ. يشتغل تحت مظلة “التعليمات الشفاهية” وهي مظلة مثقوبة بطبيعة الحال، فلا تقيه لا من حَرّ التحقيقات ولا من مطر التفتيش. اليوم يقولون له: طَبّق القانون، وغداً يسألونه: علاش طبقته؟… بين المطرقة والسندات؟ بل بين كماشة البلادة وجدار اللاعقلانية! بين أغلبية تُجيد التملص ومعارضة تُتقن العويل، وما بينهما حَفنة من المنتخبين ما زالوا يعتقدون أن الجماعة ملكية خاصة، والموظف مجرد “عامل منزلي” تحت الطلب.
أين هو التكوين؟ بحال اللي كتقلب على سروال وسط البحر!
أين هو التحفيز؟ واش اللي كيشد أقل من السميگ خصو تحفيز ولا إنعاش؟
أين هو الاعتراف؟ حتى الروبو كيعطيوه صيانة دورية، أما الموظف الجماعي فكيخدم بصباط مقطّع ومعنويات في الحضيض، وما كيتفكر فيه حتى كتوقع شي كارثة.
ومع ذلك، يشتغل. في صمت. في الظل. يطبّق قوانين أكبر من راتبه، ويدير شؤونًا أعقد من عقله المدبر، ويُحاسب على أخطاء صنعها غيره، بأوامر فوقية وبتوقيع لا وجود له. لا يُضرب، لا يُحتج، لا يُطالب… لأنه يعلم أن مصيره معروف: إن طلب، قيل له سيتحقق. وإن احتج، قيل له أُطرد. وإن سكت، نُسي.
هو الموظف الجماعي، البطل التراجيدي في مسرحية الجماعة… لا نجم، لا كاش، لا تصفيق.
وخلاصة القول: الموظف الجماعي ماشي غير جابها فراسو… راه عايشها يومياً بحال اللي محكوم عليه بالإصلاح الإداري المؤبد.