مجتمعاقتصاد

النفط كيطيح عالميًا… وحين ينخفض النفط في الأسواق العالمية، ترتفع شهية النهب في المغرب!

ضربة قلم

يبدو أن لوبي المحروقات في المغرب لم يتوصل بعد بتلك الرسالة العاجلة من الأسواق العالمية: “انخفضنا، فينكم؟”. العالم كله يحتفل بتراجع أسعار النفط، و”العباد” عندنا ما زالوا يعيشون على إيقاع تسعيرة “دربونا ومازال”، وكأننا في جزيرة نائية لا تربطها بالأسواق العالمية سوى قنوات الابتزاز.

السؤال الذي يُلحّ علينا، ويُراودنا كل صباح ونحن نمرّ قرب محطة الوقود، ليس “كم بلغ ثمن اللتر؟”، بل “كيف لا يشعر هؤلاء بالخجل؟”. هل يُعقل أن تتراجع الأسعار في الأسواق العالمية ونحن نزداد لهبا؟ هل أصابهم العمى البترولي؟ أم أن العداد عندهم لا يعرف النزول، فقط الاتجاه التصاعدي، مثل طموحاتهم الربحية التي لا سقف لها؟!

في كل مرة يُسجل فيها النفط تراجعا، ننتظر -سُذّج كما نحن- أن نرى ذلك في الفاتورة، في الأرقام، في وجه سائق الطاكسي وهو يبتسم لأول مرة منذ 2015. لكن يبدو أن انتظاراتنا مثل البنزين: تُستهلك بسرعة وتنتهي بلا أثر.

المنطق الاقتصادي البسيط يقول: العرض والطلب، تقلب الأسعار، السوق الحرة، الشفافية، التنافس… لكن يبدو أن لوبي المحروقات عندنا يعمل بمنطق آخر: “الربح ثم الربح ثم المزيد من الربح”، ولو على حساب المواطن الذي بدأ يُقنّن حتى تنفسه.

هل تراجعت أسعار النفط عالميا؟ نعم، وبنسب محترمة.
هل لمسنا شيئا في محطاتنا “الوطنية”؟ لا، بل بالعكس، يبدو أن التراجع عندهم يُترجم إلى “فرصة جديدة لرفع الأسعار”، في مشهد عبثي يشبه من يحتفل بحلول الشتاء عبر بيع المكيفات.

لنكن واقعيين: المشكل ليس فقط في الأسعار، بل في عقلية الاحتكار التي جعلت السوق شبيهة بفرقة موسيقية فيها خمسة أشخاص فقط، كلهم يعزفون على نفس الوتر، وبنفس الإيقاع، ومن دون نشاز، واللحن الوحيد الذي يُسمع: “زيد، زيد، زيد…”.

التحرير؟ أهلا وسهلا به، إن كنا نتحدث عن سوق تنافسية، فيها عرض وطلب، شفافية ومحاسبة. لكن ما نعيشه في المغرب هو تحرير بدون ضمير، تحرير في اتجاه واحد: جيب المواطن. تحرير بدون سقف، ولا عدالة، ولا حتى حياء.

كم مرة طُرح سؤال تسقيف الأسعار؟ كم مرة تحدثت التقارير عن الأرباح الفاحشة؟ كم مرة أُثيرت قضية الشفافية؟ وكم مرة تم الرد علينا بصمت ثقيل، أشد وطأة من صفّ طويل أمام محطة بنزين؟ كأنهم يقولون لنا: “احترقوا، لكن ادفعوا أولاً”.

المفارقة المُضحكة المبكية أن كل تراجع عالمي يُستقبل عندنا ببلاغات منمّقة تتحدث عن “التقلبات”، و”الاحتياطيات”، و”التأثير المؤجل”، و”السوق الدولية”، و”التسعيرة المرتبطة بتكاليف الشحن”، و”الجو البارد في سيبيريا”، و”المد والجزر في بحر قزوين”، وكل شيء… إلا أن تنخفض الأسعار فعلياً.

ويا ويل من يُطالب بالتقنين أو الرقابة أو حتى النقاش، يُوصف فورًا بأنه ضد الاقتصاد الحر، وأنه يسعى إلى “زعزعة ثقة المستثمرين”، وكأن المستثمر المغربي في المحروقات هو طفل صغير سيُصاب بالذعر إن سمع بكلمة “تسقيف”. لا يا سادة، الطفل هو المواطن الذي يُجبر على أداء ثمن خيالي من أجل أن يصل إلى عمله، أو يدفئ بيته، أو يُقلّ أبناءه إلى المدرسة.

المغاربة، بطبعهم، صبورون. يصبرون على غلاء العيش، يصبرون على تكدّس في الطوبيسات، يصبرون على الطوابير، على البيروقراطية، على التعليم الذي يتعلمونه بأنفسهم، على الصحة التي يعالجونها بالأعشاب. لكن أن يُحوّل صبرهم إلى صفقة، وأن تُتخذ جيوبهم غنيمة حرب، فتلك قصة أخرى.

إن استمرار الوضع على ما هو عليه ليس مجرد عبث اقتصادي، بل تهديد صريح للسلم الاجتماعي. لأن الجوع لا يثور لوحده، بل يثور معه الوقود، وتثور معه القلوب المتعبة، والجيوب الفارغة، والعقول التي سئمت من التبريرات “المدكوكة” كلما فُضح المستور.

فيا لوبي المحروقات، إن كنتم لا تخجلون، على الأقل خافوا من التاريخ. لأنه لا يرحم من استغل حاجات الشعوب، ولا ينسى من تاجر في أنينهم. كفاكم سطوا على البنزين وعلى العقول. وإن لم تنخفض الأسعار بعد هذا الانخفاض العالمي المهول، فقولوا لنا على الأقل: ما هو الحد الأدنى من النزاهة كي نعتبره تسعيرة؟ وهل أنتم فعلا بشر مثلكم مثلنا، أم أنكم تنتمون إلى طبقة وقودية لا تتغذى إلا على لهب جيوب الناس؟

أم أن الحكاية بسيطة جدًا: حين ينخفض النفط، ترتفع شهية النهب؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.