رياضة

النهضة البركانية.. فريق من الملائكة لا تُحتسب عليه ضربات الجزاء!

ضربة قلم

في حضرة الكرة المغربية، حيث اللعب النظيف مجرد شعار حالم، وحيث الصافرة أداة فنية تُستخدم لضبط إيقاع المباريات وفق الأهواء والمصالح، تابعنا مباراة المغرب الفاسي والنهضة البركانية في سدس عشر كأس العرش، وخرجنا بيقين مطلق: قضاة الملاعب عندنا ليسوا مجرد حكام، بل فنانون في التوازنات، ودبلوماسيون من الدرجة الأولى في “عالم التصفير”.

النهضة البركانية، هذا الفريق الذي يبدو أنه حصل على بركة خاصة، لا يُرتكب في حقه أي خطأ، لا يتعمد لاعبوه الدفع، ولا يُمسكون من القميص، ولا يعرقلون داخل المنطقة المحرمة. إنهم مجموعة من الملائكة المرسلين، يتمشون فوق المستطيل الأخضر بوقار، لا يخطئون، ولا يُخطأ في حقهم. وإذا حدث وأعاقهم القدر، فإن الحكم يغمض عينيه ويضع صافرة في فمه ليس لاحتساب خطأ، بل لامتصاص غضب الفريق المنافس، وكأن لسان حاله يقول: “اهدأوا، لا جدوى من الاعتراض، فالقانون كتب لأجلكم لكن ليس ليُطبَّق عليكم”.

في مباراة المغرب الفاسي، كانت الأمور واضحة منذ البداية. لا داعي للمفاجأة، فمنذ صافرة البداية، كانت هناك صافرة أخرى غير مسموعة تدوي في أذهان الجميع: النهضة البركانية تمر، والبقية مجرد كومبارس. هذا فريق لا يحتاج إلى ضربات جزاء ضده، ولا يحتمل أن يتحمل مسؤولية خطأ بسيط. هل يعقل أن يُحتسب ضده خطأ في منطقة الجزاء؟ مستحيل! هذه المنطقة تخص البشر، أما الملائكة، فلهم امتيازات أخرى، فهم محصنون ضد قرارات التحكيم القاسية.

وبينما كان لاعبو المغرب الفاسي يحاولون تسجيل أهدافهم داخل المرمى، كان خصمهم يستفيد من “مرمى آخر”، لكنه مرمى قانوني مفتوح في صفحات الحكام. كل اعتراض على قرار مشبوه يُقابل ببطاقة صفراء، وأي همسة غاضبة تُكافَأ بتوبيخ، وأي محاولة لمس للكرة داخل مربع العمليات البركاني تُقابل بتجاهل نبيل.

لقد بات من الواضح أن العدالة الرياضية، مثلها مثل العدالة الاجتماعية، تخضع لمنطق القوة. فالفريق الذي يحمل في جيبه “حسن السلوك التحكيمي” يستطيع أن ينام قرير العين، مطمئناً أن أي لمسة يد، أو عرقلة، أو دفعة صغيرة، ستُعتبر جزءاً من “جماليات اللعبة”، ولن تُفسد ودّ البطولة.

ومع نهاية المباراة، خرج لاعبو المغرب الفاسي برأس مرفوعة، ليس لأنهم راضون عن الهزيمة بنتيجة هدفين اثنين مقابل هدف واحد، بل لأنهم ببساطة اعتادوا على هذا السيناريو المكرر: سيناريو حيث يُصبح الحكام جزءاً من التشكيلة الأساسية لفريق النهضة البركانية، ليس كلاعبين هذه المرة، بل كحراس قانونيين للامتيازات غير المكتوبة. أما الجمهور، فقد خرج بتساؤل وحيد: هل نحن نشاهد كرة القدم، أم مسرحية تحكيمية هزلية بإخراج سيئ؟

وفي النهاية، عندما تفوز الفرق بالألقاب دون أن تُحتسب ضدها ضربة جزاء واحدة طوال الموسم، فإننا لا نكون أمام فريق رياضي، بل أمام “ظاهرة كروية”، تحتاج إلى دراسة معمقة في علوم التحكيم الحديث، حيث الأخطاء هي خطيئة، لكن فقط حين يرتكبها الآخرون.

وهكذا، يبدو أن لاعبي النهضة البركانية ليسوا فقط ملائكة بل ربما يتمتعون بخاصية الاختفاء عن أعين الحكام أيضاً! فحينما تلمس الكرة يد أحد مدافعيهم داخل منطقة الجزاء، تتحول يد اللاعب إلى طيف غير مرئي، وكأن قوانين الفيزياء تتوقف عن العمل. لا وجود للمس، لا وجود لخطأ، بل ربما الكرة نفسها تعتذر على وقاحتها لأنها تجرأت ولمست لاعباً بركانياً.

أما حالة التلبس التي طرأت في قلب معترك عمليات النهضة البركانية الأمس، فهي من تلك الحالات التي يُطلق عليها في كرة القدم المغربية “الجرم المشهود غير المرصود”. مهاجم المغرب الفاسي يُدفع، يُعرقل، يُمسك بقميصه كأنما هو طفل صغير يحاول الإفلات من يد أمه، لكن الحكم يظل متمسكاً بموقفه البطولي: “لم أرَ شيئاً”. ربما المشكلة ليست في الحكم، بل في زاوية رؤيته، أو في الضوء الذي سُلط عليه من الأعلى، أو في حقيقة أن الحكام في ملاعبنا يعانون من “قصر نظر تكتيكي” يجعلهم يرون المخالفات بوضوح حين يرتكبها طرف معين، لكن يفقدون البصر بشكل انتقائي حين يكون الطرف الآخر يحمل صك البراءة قبل حتى أن تبدأ المباراة.

أما زملاؤه في غرفة الفار، فقد أثبتوا مرة أخرى أن التقنية لا تعني العدالة، وأن شاشات الفيديو ليست إلا مجرد ديكور حديث يُستخدم عند الحاجة، وتُعطل حين لا تخدم المصالح. فلا عجب أن الجماهير الغفيرة كانت الوحيدة التي رأت ما حدث بوضوح، فالجماهير لا تحتاج إلى سماعات أذن، ولا إلى شاشات ضخمة، ولا إلى إعادة المشهد من عشر زوايا مختلفة. كل ما تحتاجه هو عينان طبيعيتان وقلب ينبض باللعبة، لا بالحسابات الخلفية.

هناك شيء مميز في الطريقة التي تُدار بها بعض المباريات: فريق يدخل المواجهة مُحصنًا ضد ضربات الجزاء، وكأنه يحمل وثيقة تأمين رياضي تُجنبه أي قرارات غير مرغوب فيها. ليس هذا فحسب، بل يتمتع لاعبوه بحرية التدخل البدني دون قلق من بطاقات ملونة قد تعكر صفو الأمسية. أما الفريق الآخر، فحظه العاثر أنه يؤمن بأن المنافسة تُحسم فوق العشب وليس في كواليس غرف الاجتماعات.

لا عجب أن الجمهور خرج متسائلًا: هل نحن أمام مباراة كرة قدم، أم عرض سحري حيث تختفي الأخطاء بلمسة من حكم الساحة؟ في النهاية، حين تصبح بعض الفرق محاطة بهالة من “الحماية غير المرئية”، فإن البقية لا تملك سوى الاحتجاج، أو ربما الضحك، لأن البكاء على الأطلال لن يغير شيئًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.