مجتمع

الواقع المغربي… ضحك كالبكاء، وكريديٌ حتى إشعار آخر

ضربة قلم

في المغرب، لا نعيش الحياة كما في باقي بلدان الأرض. نحن نخترع طرقًا فريدة للنجاة، نُضحك أنفسنا من وجعنا، ونبكي بصوت منخفض كي لا نوقظ آمالًا نائمة. نعيش في وطنٍ يتقن فن المفارقة المؤلمة: نضحك من شدة المأساة، ونصفّق لخطاب رسمي، ثم نُهرول بعده لنشتري قنينة دواء… بالكريدي.

نعم، المواطن المغربي لا يشتري فقط السردين أو الزيت بالكريدي، بل تجاوز ذلك إلى أقراص الضغط والسكري وحتى الدواء النفسي الذي من المفترض أن يخفف عنه ضغوط الحياة… لكنه يُدفع بالتقسيط. الصيدلي يعرف الزبون بالاسم والمرض والمبلغ المتراكم. العلاقة هنا ليست طبية فقط، بل تمتد إلى مستوى الثقة البنكية، بفرق أن الصيدلي لا يُطالب بكشف الضمانات، يكفيه أن يرى الهمّ في عيون الزبون.

وإذا قرر المواطن أن “يغيّر جوه” قليلاً، فسيجد الحلاق بانتظاره… هو الآخر بالكريدي! قصة مشط وقصّة تبدأ وتنتهي بدفتر صغير خلف المرآة، مدوّن فيه: “فلان… حلق رأسه في عاشوراء، وسيسدد في رمضان”. في المغرب، حتى الحلاقة أصبحت خدمة مؤجلة الدفع. المواطن يحلق شعره ولا يعلم إن كان سيسدد الفاتورة بشعره القادم أم بأعذار جديدة.

لكن العجيب في هذه البلاد، أن كل شيء ممكن بالكريدي، باستثناء شيء واحد: الغرامات. هنا تنتهي كل المودة، وتبدأ الدولة في استعراض عضلاتها. تأخر بسيط في الأداء؟ رسالة تهديد. فاتورة مخالفة مرورية؟ الحجز في الطريق. حتى إن لم يكن لديك ما تسدد به، فغرامة التأخير لا تعترف بالكريدي، بل تتكاثر مثل الفطر بعد المطر.

والأدهى؟ أن نفس الدولة التي لا تعترف بالكريدي عندما يتعلق الأمر بحقوقها، تطالب المواطن بالصبر والتضحية حين يتعلق الأمر بحقوقه. فلا مستشفى، ولا مدرسة، ولا طريق، ولا حتى مكتب بريد يُرضي الحاجة. ومع ذلك، يُطلب منه أن يكون وطنياً، مبتسماً، وأن يشارك في الاستحقاقات وهو يمشي على الأرصفة المكسرة.

الموظف الصغير يعيش على “السلف”، والمعلم يعلّم الأمل وهو غارق في قروض الاستهلاك، والطبيب يداوي الناس وهو يداوي جراح راتبه. والوزير؟ يظهر على التلفاز ليتحدث عن “الإصلاحات الهيكلية” بوجه ناعم وربطة عنق أجنبية، وكأنّه جاء من سويسرا في مهمة مؤقتة إلى المغرب.

أما الشباب، فقد استبدلوا مفردات الحلم بمصطلحات أكثر واقعية: “الكريدي”، “القرعة”، “الفيزا”، “الحريك”، وبعضهم لم يعد يحلم أصلاً. فالواقع أقنعه أن الطموح رفاهية لا يقدر عليها.

في المغرب، المواطن لا يعيش فصلاً درامياً فقط، بل يعيش مواسم متعددة من كوميديا سوداء، لا تنتهي حلقاتها، ولا تضحك أحدًا… سوى الساخرين بالقدر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.