الوزير يتوحم على الشوكولاتة، أنتم تدفعون تقاعده.، وتتبخر معاشات الوطن

ضربة قلم
هل سمعتم في بلادٍ تُحترم فيها العقول أن وزيرًا يستفيق ذات صباح، مدفوعًا بما يشبه “الوحم الإداري”، ويقرر أن يطلب صناديق من الشكولاتة الفاخرة على حساب دافعي الضرائب؟ لا كتشجيع للقراءة، ولا لدعم الفنانين، بل بوصفها جزءًا من “الضيافة الرسمية”! هناك، في البلدان التي لا تُنفق على الاستهلاك الرمزي أكثر مما تُنفق على المدارس، كانت هذه الواقعة وحدها لتُطيح برأس الوزير وتُدخله تاريخ الفضائح السياسية. أما عندنا، فهي مجرد سطر في محضر صرف عادي، لا يُسأل عنه أحد، وربما يُكافأ المسؤول عليه بمهمة جديدة تحت شعار “ثقة السيد الوزير”.
هل سمعتم عن منتخبين يُديرون جماعاتهم كأنها ضيعة ورثوها عن أجدادهم؟ حيث يُفصّل دفتر التحملات وفق مقاس المقاول القريب، وتُمنح الصفقات لمن لا يسأل، وتُبرم العقود في صمت بين أروقة منسية، بينما المواطن لا يجد حتى قنينة ماء في مستوصف مهجور. المال العام، في هذه الجماعات، ليس سوى “خطأ مطبعي” في وثيقة ميزانية، أو أثرًا يتركه كرسي جلدي جديد في مكتب رئيس مجلس لم ير سكانه أثر التنمية منذ الاستقلال.
أما عن التقاعد، فتلك قصة أخرى، لا تشبه في شيء حكايات العمال والكادحين. هنا، التقاعد ليس نهاية الخدمة، بل امتداد لها: تقاعدٌ مريح يتجاوز رواتب أطباء ومهندسين، مع امتيازات لا تتوقف عند البنزين المجاني أو الهاتف المحمول، بل تصل حدَّ السفر والإقامة، وأحيانًا مشاريع تُفصّل بعد التقاعد لاستيعاب “خدماته الاستشارية”. في المغرب، لا يموت المنصب بمغادرة الكرسي، بل يتجدد بأشكال أخرى، كأننا في مسرحية دائمة يُعاد فيها توزيع الأدوار بين نفس الوجوه.
صناديق الضمان الاجتماعي؟ تلك التي كان من المفترض أن تحمي أضعف فئات المجتمع من هشاشة الشيخوخة، ومن الذل الصحي، ومن الموت البطيء في عزلة اجتماعية، لم تعد قادرة حتى على دفع المعاشات الصغيرة في موعدها. أما السبب؟ فلا أحد يعرفه بدقة، لأن لغة التقارير الرسمية غارقة في التبرير، ولا أحد يتحمل المسؤولية، فالمسؤولية في هذه البلاد شبح نبحث عنه منذ عقود.
الدولة، كما يبدو، تجهد نفسها في تصميم أنظمة امتياز لا في بناء عدالة اجتماعية. فالمسؤول الذي ينتهي مشواره لا يغادر المؤسسة، بل تُخترَع له مهام أخرى، ربما على رأس لجنة جديدة، أو في رئاسة مجلس استشاري لم نسمع به من قبل. أما الأستاذ الذي تعب من الطباشير، والممرضة التي شاخت بين أقسام المستعجلات، فمكانهم في طابور لا نهاية له، بانتظار معاش لا يسد حتى حاجات الدواء.
نعم، يحدث هذا في المغرب، الذي يحمل طموح الدولة الصاعدة في شعاراته، ويعيش واقع الدولة الغارقة في مفارقاتها. المغرب الذي يريد أن يصدر صورته كبلد ثقافة ومواسم فكرية، بينما يُقصي المثقف الحقيقي ويُمعن في تلميع وجوه لا تجرؤ على مساءلة النظام القائم.
لكننا لسنا هنا لننشر السواد، بل لنطالب بالحقيقة. لأننا نعلم أن البلد يستحق أفضل من هذا. شعبه يستحق مسؤولين لا “يتوحمون”، بل يتواضعون. جماعاته تستحق منتخبين لا يخططون للمشاريع داخل المقاهي. وتقاعده يجب أن يُمنح لمن خدم الوطن، لا لمن خدم المصالح.
في النهاية، لسنا ضد المؤسسات، ولسنا ضد الدولة، بل نحن ضد القبح حين يُلبس ثوبًا رسميًا، وضد الرداءة حين تُمنح وسام الكفاءة، وضد الفساد حين يُغنّى له في المحافل ويُكتب عنه في الجرائد كأنه إنجاز.
وسنظل نكتب. لأن الكتابة في هذا البلد… شكل من أشكال المقاومة.