مجتمع

الوكالة الحضرية لتمارة في “وضع الانتظار”: من يضغط على زر الانطلاق؟

ضربة قلم

كنا قد أشرنا قبل أسبوع، بقدر من اللباقة وكثير من التحفظ، إلى الوضع الشاذ الذي تعرفه الوكالة الحضرية لعمالة الصخيرات تمارة. واليوم نعود، مدفوعين بنداءات متزايدة من المهنيين، لنسائل واقعًا لم يعد يحتمل “التسيير بالتساهل”، ونوجه نداءً صريحًا إلى الوزيرة فاطمة الزهراء المنصوري، المحامية والمنتخبة التي أثبتت في مناسبات عديدة أنها تميز جيدًا بين “البلوكاج” و”العبث”.

في بلد لا يمر أسبوع دون أن يُعلن فيه عن برنامج لتشجيع الاستثمار أو إصلاح الإدارة أو تجويد الحكامة، تبدو حالة هذه الوكالة وكأنها تسبح ضد التيار، بل تُحرج تلك الشعارات وتجعلها حبراً على ورق. لأكثر من سنة، منذ الاستقالة المفاجئة لمديرتها السابقة على خلفية ما عُرف بملف “جيا العقارية”، والوكالة بلا مدير رسمي. وضع استثنائي؟ لا. بل وضع اعتياديّ في تمارة.

مرفق استراتيجي، يفترض أن يكون قلبًا نابضًا للتنمية، تحوّل إلى مؤسسة بلا رأس، بلا طموح، وبلا مؤشرات حقيقية للنجاعة. من يقود؟ لا أحد. من يقرر؟ بالتقسيط. من يتحمّل المسؤولية؟ بالتناوب. أما الواقع، فمختل: تراكم للملفات، قرارات ارتجالية، شروط متضاربة، وتعامل إداري يُراوح بين الفتور والتعقيد المجاني. ولا حاجة هنا للعدسة المكبرة، يكفي أن تستمع لمهندس معماري أو مستثمر صغير لتعرف أن الأمر تجاوز الخلل إلى منطق المزاج… بل الشطط أحيانًا.

ما يدعو للاستغراب -بل للقلق- أن هذه الوضعية أصبحت حديث المهنة، دون أن تُحرّك ساكنًا في الوزارة. أشرنا في مقالتنا الاولى أن خلال الاجتماع الأخير لهيئة المهندسين المعماريين، عبّر عدد من الأعضاء عن امتعاضهم الشديد من اختناق الملفات، ومحاباة بعض المشاريع، وغموض المساطر، بل وتضارب القرارات في نفس الملف بين أسبوع وآخر. هل هذا هو المناخ الاستثماري الذي نُبشّر به؟

لا نبالغ إذا قلنا إن تمارة اليوم تدفع ثمن هذا الشلل الإداري. المدينة التي شُرّدت براريكها قبل سنوات، والتي من المفترض أن تكون ورشًا مفتوحًا للتعمير الحديث، تجد نفسها سجينة لعراقيل بيروقراطية تُفرمل أي حراك استثماري. كأن هناك إرادة غير معلنة لإبقاء الأمور على ما هي عليه. أو ربما… غياب تام للإرادة من الأصل.

أما الحجة بأن هناك “تسييرًا مؤقتًا” من طرف إطار قادم من وكالة الرباط وسلا، فهي حجة لا تصمد أمام الواقع. لأن هذا النوع من الملفات لا يُدار عن بعد، ولا يُعالج على الهامش. ما يحدث هنا ليس “تدبيرًا مؤقتًا” بل هو تعليق مؤقت لكل أمل في إصلاح عمراني حقيقي.

لذلك، نضع السؤال أمام الوزيرة، بكل احترام واستفهام ذكي: هل يُعقل أن يستمر هذا الفراغ الإداري في وكالة حضرية تتوسط واحدة من أكثر المناطق حساسية بين العاصمة والضاحية؟ هل يستقيم أن تُترك ملفات عمرانية، تتعلق بملايين الدراهم ومئات مناصب الشغل، رهينة لتقديرات فردية، وشروط متقلبة، ومزاج لا يفسره لا القانون ولا الحكامة؟

لسنا نطالب بالعشوائية ولا بالتراخيص الجماعية، بل نطالب بالوضوح، بالعدالة، وبإدارة مسؤولة لا تُجامل ولا تتعسف. نحن نريد مديرًا أو مديرة، بتوصية من الرزانة لا الولاءات، قادرا على إعادة الأمور إلى نصابها، وعلى الانصات للمهنيين، وعلى حماية المشروع العمراني من العبث والفوضى الرمادية.

وإن كانت هناك أسباب سياسية أو ملفات عالقة تعرقل التعيين، فالوضوح أولى من الصمت. أما أن نستمر في هذه “المسافة الغامضة” بين القرار واللاقرار، فتلك مخاطرة بمستقبل منطقة، واستهتار بطموحات ساكنة، وإهانة مبطنة لذكاء المستثمرين.

فليكن واضحًا: من يغض الطرف عن الشطط يساهم فيه، ومن يُطيل الانتظار يقتل الأمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.