سياسة

اليسار المغربي: من قوى التغيير إلى ضحية الانتهازية السياسية

م-ص

“اليسار باع وراح”، جملة تُعبّر عن خيبة أمل كبيرة وغضب من التحولات التي عاشتها الساحة السياسية في المغرب، خاصة تلك المتعلقة باليسار الذي كان يحمل في طياته شعارات التغيير والعدالة الاجتماعية. لعل هذه العبارة تمثل ردة فعل حقيقية من العديد من المواطنين الذين يشعرون بأن اليسار قد فقد بريقه وأصبح في حالة من التشتت والضياع، بعدما انقلب على مبادئه ليترك المجال أمام قوى أخرى تتبنى سياساتٍ تسعى لتكريس الوضع القائم، بدل السعي لتغييره.

من المعروف أن اليسار في المغرب كان، في مرحلة ما، يشكل القوة السياسية المعارضة التي تقدم نفسها كحامي حقوق الفئات المهمشة والمستضعفة، وتبني أيديولوجية مناهضة للظلم الاجتماعي والاستبداد. ولكن مع مرور الوقت، وتحديداً في السنوات الأخيرة من القرن الحالي، شهد هذا التيار السياسي تحولات جوهرية جعلته يبدو بعيداً عن جذوره وأهدافه الأصلية.

اليسار الذي كان في يوم من الأيام يمثل الأمل للعديد من الفئات الشعبية في المغرب، والموحد لتطلعاتهم نحو المساواة، بدأ في الانحراف عن مساره بشكل تدريجي، نتيجة لعدة عوامل تداخلت بشكل معقد. التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عاشها المغرب في العقود الأخيرة، إضافة إلى تسارع الأحداث السياسية في المنطقة العربية والعالم، جعلت الكثير من اليساريين الأصليين يتراجعون عن الساحة السياسية.

من جانب آخر، فإن الالتحاق بالتيارات الأخرى لم يكن مجرد رد فعل على هذه التحولات، بل كان انعكاساً لانتهازية سياسية واضحة. بعض الشخصيات اليسارية التي كانت تعد من الأسماء البارزة في الحركة، اختارت تكييف مواقفها لتواكب رغبات النظام القائم أو تقترب من دوائر السلطة. هذه الشخصيات ليست فقط من فقدت الثقة في مبادئها، بل أصبحت جزءاً من نفس النظام الذي طالما كان يوصف بمعاداته. كما لو أنهم قد “باعوا” تلك المبادئ على طاولة المفاوضات السياسية مقابل مكاسب شخصية أو مناصب.

أما بالنسبة للمنتقدين والمراقبين، فإنهم يعتقدون أن اليسار المغربي أصبح أشبه بالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال، معتقدة أن ما تفعله لا يراه أحد. هذه الصورة تشير إلى أن بعض اليساريين الجدد يعانون من “العجز السياسي”، حيث إنهم لا يقدمون حلولاً حقيقية لمشاكل البلاد ولا يتخذون مواقف صلبة تجاه القضايا الكبرى. بدلاً من ذلك، يكتفون بالتواجد في الساحة دون القدرة على التأثير الفعلي.

وبذلك، أصبح المشهد السياسي المغربي يشهد نوعاً من “الشرذمة” اليسارية التي لا تجمعها رؤى موحدة أو مشروع سياسي واضح. إن غياب الخطاب اليساري الذي يعبر عن آمال الشعب في الحرية والعدالة الاجتماعية، لا يعكس إلا حالة من الفوضى السياسية وغياب الرؤية.

ما يثير القلق هو أن هذا الانحدار قد يؤدي إلى انعدام الثقة في الطبقة السياسية ككل، ما يفتح المجال لتقوية التيارات المحافظة أو الإيديولوجيات الشعبوية التي قد تستغل هذه الفراغات. ولا ننسى أن إصرار اليساريين على “مكافحتهم” في ظل الوضع الراهن قد يشجع بعض الانتهازيين على المتاجرة باسمهم وتوظيف شعاراتهم لتمرير سياسات لا تمت لمبادئ اليسار بصلة.

في المجمل، فإن حالة اليسار في المغرب اليوم تعكس أزمة حقيقية في المبادئ السياسية والاخلاقية. فاليسار الذي كان في السابق يمثل أداة لتغيير المجتمع، أصبح اليوم مجرد ظل للماضي، يعاني من انقسام داخلي وفقدان الهوية.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.