بنسليمان على صفيح ساخن: حين تتحول الجماعة إلى ورشة مفتوحة للتحقيقات!

ضربة قلم
بنسليمان، المدينة الهادئة التي كانت تنام على وقع زقزقة العصافير وصراخ الباعة المتجولين، وجدت نفسها فجأة وسط زوبعة من التحقيقات، وكأن لعنة الحساب نزلت على رؤوس بعض “المحظوظين” الذين اعتقدوا أن كرسي الجماعة هو تذكرة ذهاب بلا عودة إلى حياة الرفاهية والقرارات السلطوية التي لا يجرؤ أحد على مساءلتها. لكن كما يقول المثل الشعبي: “يوم لك ويوم عليك”، وها نحن نشهد الأيام التي صارت عليهم لا لهم.
الفرقة الوطنية للشرطة القضائية قررت، في خطوة استثنائية، أن تمنح رئيس جماعة بنسليمان جرعة مكثفة من “الاهتمام”، بعد أن أصبح زائراً دائماً لمقر التحقيقات. هناك، لا مجال للمجاملات، ولا حصانة للمناورات السياسية التي كانت تسوّق قبل سنوات تحت شعار “التدبير الحر”. فجأة، تحولت الملفات المنسية إلى كوابيس حقيقية، والأسئلة التي كانت تُطرح في الهامش صارت العناوين العريضة للتحقيقات.
700 مليون سنتيم من الإعفاءات الضريبية لمشروع عقاري؟ هذا مبلغ قد يكون كافياً لترميم أزقة بنسليمان وتحويلها إلى “شانزيليزيه المغرب”، لكنه للأسف اختار طريقه نحو “عالم المجهول”، حيث تتحول الامتيازات إلى حقوق مكتسبة، وحيث يصبح المال العام مجرد رقم قابل للحذف والإضافة وفقاً لمعادلات غامضة لا يفهمها سوى “أهل الدار”.
ولأن فضائل التسيير لا تأتي فرادى، كان لا بد من أن تشمل التحقيقات مشاريع أخرى، مثل مشروع المياه العادمة. وهنا، يبدو أن العدمية لم تقتصر فقط على المياه، بل امتدت إلى الشفافية أيضاً، حيث اختفت الضوابط القانونية كما يختفي الضباب في صباحات الصيف. هل تم احترام القوانين؟ هل كانت هناك دراسة واضحة؟ أم أن الأمور سارت وفق مبدأ “دير النية وسير، وخا تكون في الحفرة”؟ التحقيقات ستكشف، لكن الأكيد أن رائحة الفساد صارت تزكم الأنوف أكثر من المياه العادمة نفسها.
أما ملف الدعم المالي لفريق حسنية بنسليمان لكرة القدم، فهو ليس مجرد قضية رياضية، بل قصة اجتماعية تحكي كيف يمكن للأموال العمومية أن تأخذ منحى غير رياضي تماماً. الدعم الذي قُدّم للفريق، ثم انتهى بصدور حكم قضائي ضد نجل الرئيس، يطرح تساؤلات حول كيف تتحول الرياضة من وسيلة للنهوض بالشباب إلى مجرد ورقة في دفتر الحسابات العائلية. من يدري؟ ربما كان الدعم بهدف تطوير مهارات اللاعبين في “المراوغة”، ليس في الملعب، ولكن في المكاتب الإدارية.
ولأن اللون الأخضر دائماً ما يكون رمزاً للحياة، قرر المجلس الجماعي أن يجعل “المساحات الخضراء” أيضاً جزءاً من التحقيقات. هذه المرة، السؤال ليس عن جودة الأشجار أو كمية الزهور المزروعة، بل عن المساطر القانونية التي تم اتباعها لإنجاز هذه المشاريع. هل كانت هناك دراسة جدوى؟ أم أن الأمر اقتصر على “غرس” بعض الأرقام في الميزانية، وانتظار موسم الحصاد؟
أما المحجز الجماعي، فهو حكاية أخرى عن كيف يمكن لبعض المسؤولين أن يضعوا القوانين جانباً ويقرروا أن “التدبير الحر” يعني حرية مطلقة في اتخاذ القرارات دون استشارة أحد. إنشاء محجز جماعي دون احترام المساطر القانونية؟ هذا ليس خطأً تقنياً، بل هو درس عملي في كيفية تطويع القانون وفقاً للهوى الشخصي.
التحقيقات تتواصل، والرئيس ومن معه يعيشون أياماً عصيبة، حيث كل ملف يُفتح يصبح كمنجم أسرار يهدد بزلزال سياسي قد يقلب الطاولة على الجميع، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية. لأن الصورة التي يسوقها المسؤولون أثناء الحملات الانتخابية شيء، وما تكشفه التحقيقات شيء آخر تماماً. ففي النهاية، لا أحد فوق المساءلة، وإن طال الزمن.