بوزنيقة.. حيث تُعدّل الميزانية بالسحر، ويُحاكم المنتخبون كما يُبدَّل المدربون في الرجاء!

ضربة قلم
في حضرة مسرح القضاء، حيث الدراما السياسية تلتقي بالكوميديا السوداء، اعتلت فرقة “جماعة بوزنيقة” منصة غرفة الجنايات الابتدائية بالدار البيضاء، وهي تلوّح برداء الدفاع، مطالبة ببعض الوقت لتحضير نفسها… وكأنها بصدد أداء مسرحي ضخم وليس الرد على تهم ثقيلة تتعلق بميزانيات تفوح منها رائحة الدرهم الزائد.
في الزاوية الأولى من القفص، جلس محمد كريمين، المعروف في أوساط المتابعين بلقب “بارون بوزنيقة”، يُقلّب نظراته في السقف تارة، وفي أوراق الدفاع تارة أخرى، لعلّه يجد في إحدى الزوايا ما يخفف من وطأة الرصيد المفتوح. إلى جانبه، بدا عبد العزيز البدراوي، الرئيس السابق لنادي الرجاء البيضاوي، وكأنه ما زال يحن إلى أيام المجد الكروي، حين كان يوزع العقود على اللاعبين لا اعتمادات في ميزانية الجماعة.
الجلسة، وإن بدت هادئة على الورق، لم تخلُ من لمحات فنية عالية؛ دفاع جماعة بوزنيقة، الذي دخل متأخراً إلى الحلبة بعد استدعاء رسمي في الجلسة السابقة، استنجد بـ”مهلة فنية” للاستعداد، وكأن القضية ستُحسم بنظام النقاط لا بالأدلة والبراهين. هيئة المحكمة، برئاسة المستشار علي الطرشي، لم تجد مانعاً في تأجيل العرض الكبير إلى 22 ماي المقبل، ربما لإتاحة الفرصة لكتابة سيناريو أكثر حبكة.
أما عن صلب القضية، فحدث ولا حرج. نحن أمام معزوفة مالية غريبة: في أكتوبر 2014، قرر مجلس الجماعة تخفيض ميزانية التدبير المفوض من 14 مليون درهم إلى 8 ملايين، في حركة تقشف نادرة الحدوث. لكن المفاجأة الكبرى كانت في دورة نونبر 2015، حين قفز المبلغ كالصاروخ إلى 14 مليون درهم مجدداً، وكأن شيئاً لم يكن. تفسير هذه المعجزة المحاسباتية جاء على لسان الرئيس والمحاسب البلدي: “العمالة هي التي عدّلت”! وكأن العمالة هي بابا نويل، توزع الملايين على الميزانيات كلما ضاقت الأحوال.
ولا يكتمل العرض دون التذكير بأن التهم طالت أيضاً مهندساً متقاعداً، ليبدو الأمر وكأنه إعادة إنتاج لمسلسل قديم، حيث يجتمع السياسي ورجل الأعمال والتقني تحت سقف زنزانة واحدة في “عكاشة”، بانتظار الفصل الأخير من ملحمة “ميزانية بوزنيقة.. بين التخفيض والتضخيم”.
وفي النهاية، تظل الحقيقة الوحيدة الثابتة هي أن الجلسة المقبلة ستكون فرصة جديدة للجميع: للقضاء كي يحسم، وللدفاع كي يؤجل، وللصحافة كي تروي لنا فصلاً جديداً من عبث “المجالس المنتخبة”، التي لا تعرف سوى اللعب بميزانية الدولة كما يلعب الأطفال بالرمل على الشاطئ… لكن الفرق أن الرمل لا يكلّف الملايين.