مجتمع

بيان الجامعة الوطنية لجمعيات المتقاعدين والمسنين بالمغرب: حين تُغتال الكرامة في خريف العمر

ضربة قلم

في لحظة تعكس أقصى درجات التهميش والإهمال، أطلقت الجامعة الوطنية لجمعيات المتقاعدين والمسنين بالمغرب بيانًا قوياً من مدينة فاس بتاريخ 14 أبريل 2025، عبّرت فيه عن الغضب العارم والاستياء المتزايد الذي يسود أوساط المتقاعدين في ربوع الوطن. هؤلاء الذين أفنوا زهرة أعمارهم في خدمة البلاد، يواجهون اليوم واقعاً مريراً تتقاطع فيه هشاشة الأوضاع الاجتماعية مع غياب الرعاية الصحية وانعدام العدالة المعيشية، في مشهد لا يليق بتاريخهم ولا بما قدّموه.

البيان، الذي جاء بعد اجتماع موسّع ضمّ أعضاء المكتب الوطني ومنسقي الجهات، كشف بما لا يدع مجالاً للشك عن الإقصاء المتعمد الذي تتعرض له فئة المتقاعدين من السياسات العمومية، وخصوصاً فيما يتعلق بإصلاح منظومة التقاعد. الجامعة نددت بما اعتبرته تهميشًا ممنهجًا وإقصاءً غير مبرر من الحوار الاجتماعي، في ظل استمرار الحكومة في تجاهل مطالبهم الأساسية المتعلقة بتحسين المعاشات، وتوفير تغطية صحية شاملة، وإلغاء القوانين المجحفة التي تمنع الزيادة الدورية في المعاشات.

الأخطر من ذلك، أن البيان سلّط الضوء على ما يمكن وصفه بـ”الخذلان المؤسساتي”، حيث لم تعد هذه الفئة تؤمن بوعود تُطلق على المنابر دون ترجمة عملية، ولا بحوارات تُدار في غياب ممثليها الحقيقيين. الجامعة طالبت بإشراكها المباشر في كل ما يتعلّق بإصلاح منظومة التقاعد، وبتحقيق العدالة بين مختلف مكونات المجتمع من حيث المعاشات والامتيازات، مؤكدة أن الفئة التي خدمت الوطن لا تستحق أن تُعامل بهذا القدر من الإهمال.

كما دعا البيان إلى وقفات احتجاجية وتنظيم أشكال نضالية سلمية في مختلف مناطق المغرب، احتجاجًا على الوضع الراهن، وتعبيرًا عن تصميم المتقاعدين على المضي قدمًا في معركتهم من أجل الكرامة. وأكدت الجامعة التزامها الكامل بخوض كل أشكال النضال السلمي والقانوني دفاعًا عن حقوق المتقاعدين، داعية في الوقت ذاته كافة جمعيات المجتمع المدني، والفاعلين الاجتماعيين، والضمائر الحية إلى مساندة هذه القضية العادلة.

الأبعاد الرمزية لهذا البيان لا تقف عند حدود المطالب المعيشية، بل تمتد إلى نقد بنيوي لطريقة تعاطي الدولة مع فئة يفترض أن تكون محل تقدير واعتراف، لا محل تهميش وإقصاء. ففي كثير من الدول التي تحترم مواطنيها، يعيش المتقاعد سنواته الأخيرة في راحة واستقرار، ويُنظر إليه كذاكرة حية للوطن ومصدر فخر، وليس عبئًا يُلقى به في الهامش.

اليوم، في مغرب 2025، تجد آلاف الأسر نفسها رهينة معاشات لا تفي حتى بالحاجيات الأساسية، في ظل موجات غلاء غير مسبوقة، وارتفاع مستمر في أسعار الدواء والعلاج، وغياب شبكة دعم اجتماعي حقيقية. لقد صار المتقاعد المغربي مثالًا حيًا على فشل السياسات العمومية في الوفاء بالتزاماتها، وعلى انهيار عقد اجتماعي غير معلن كان يفترض أن يربط بين الدولة ومواطنيها.

إن تجاهل صوت هؤلاء الذين بنوا الوطن بعرقهم وعطاءاتهم، لا يشكل فقط خللاً أخلاقيًا، بل هو مؤشر خطر على اتساع فجوة الثقة بين الدولة والمجتمع، بين من يحكم ومن يُحكم، بين من يضع السياسات ومن يدفع ثمنها.

وفي هذا السياق، يبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بإلحاح: إلى متى سيظل صوت المتقاعد المغربي يُقابل بالصمت؟ ومتى تدرك المؤسسات أن احترام الإنسان في شيخوخته ليس صدقة، بل حق أصيل، ومؤشر حقيقي على نضج أي دولة؟

إن المعركة التي تخوضها الجامعة الوطنية لجمعيات المتقاعدين والمسنين ليست فقط معركة فئة مهمشة، بل هي قضية مجتمع بأكمله، لأنها تختبر في جوهرها مدى وفاء الدولة لمن خدموها بإخلاص. فالكرامة لا تتجزأ، والوطنية لا تُقابل بالجحود.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.