بين ترقيات الأرقام وترقيات الوجوه… ضاعت كرامة المتصرف التربوي!
تحليل موسع لبيان التنسيق الوطني للمتصرفين التربويين ضحايا الترقية – البيان رقم 8

ضربة قلم
- فئة مهمشة تطالب بالكرامة قبل الأقدمية
إن أول ما يلفت الانتباه في هذا البيان هو النفس النضالي الطويل الذي يعكس صبر هذه الفئة على ما تعتبره ظلما إداريا ممنهجا امتد لسنوات، ما جعلهم يشعرون بأنهم مواطنون من “الدرجة الثانية” داخل قطاع التعليم.
البيان لا يقتصر على المطالب التقنية بل يؤطرها ضمن قيم أكبر: الكرامة، العدالة، والإنصاف، ما يعكس إحساسًا عميقًا بالغبن و”التهميش المؤسساتي”، خاصة حين يُمنح غيرهم فرصًا للتسلق الإداري، بينما هم يُتركون خلف الركب، رغم الكفاءة والتجربة.
- مطالب واقعية وليست تعجيزية
رغم اللهجة الحادة التي طبع بها البيان، إلا أن المطالب المعبر عنها لا تحمل طابعًا تعجيزيًا أو فئويًا ضيقًا، بل تندرج ضمن أبسط الحقوق الإدارية التي يكفلها القانون:
- تسوية الوضعيات الإدارية بأثر رجعي
- احتساب الأقدمية والتجربة المكتسبة
- الإنصاف في مساطر الترقي بين دفعات 21، 22، و23
- تطبيق مقتضيات قانونية واضحة كالمادة 89 من النظام الأساسي لموظفي التربية الوطنية
إنها مطالب تنطلق من قاعدة العدالة لا الامتياز، ولا تتطلب سوى قرار إداري جريء يعيد التوازن المفقود في معالجة الملف.
- الوجع الصامت خلف لغة البيانات
وراء السطور الحازمة للبيان، يمكن لمس ملامح معاناة صامتة لفئة تُركت لتُصارع وحدها تعقيدات المساطر الإدارية، والتماطل في التسوية، و”الهروب السياسي” من الحل، على حد تعبيرهم.
هذه الفئة ليست حديثة العهد بالإدارة، بل هي نتاج مسار مهني طويل، تتوفر على مؤهلات علمية وتكوينية، وغالبًا ما تضطلع بأدوار حيوية داخل المؤسسات التعليمية (تدبير، إشراف، توجيه، تنظيم…)، لكنها لا تحظى بالتقدير الإداري الذي يعكس هذا الجهد.
إن التجاهل الإداري المستمر يولّد مشاعر الإقصاء وفقدان الثقة، ليس فقط في الوزارة، بل أحيانًا في جدوى الالتزام بالمنظومة ككل.
- الدعوة إلى وقفة 12 يونيو : محطة نضالية لا احتفالية
البيان يختم بدعوة إلى وقفة احتجاجية جديدة يوم الخميس 12 يونيو 2025، أمام وزارة التربية الوطنية.
والمفارقة التي عبّر عنها بذكاء هي أن هذه الوقفة تأتي في خضم موسم الاحتفالات والاختتاميات داخل القطاع، وكأن التنسيق الوطني يوجه رسالة تقول: “لن نحتفل بينما تُهضم حقوقنا”.
هذا الموقف يعطي للوقفة رمزية قوية، ويجعل منها تحديًا مزدوجًا: الدفاع عن الحقوق من جهة، ورفض التلميع الموسمي من جهة أخرى.
- نقطة ضوء : نضال مستمر من أجل الإنصاف
البيان ينتهي بشعار مهم:
“نضال مستمر من أجل الإنصاف والعدالة”
وهو شعار ينمّ عن نضج تنظيمي، واستعداد للاستمرار رغم الإنهاك، بل والتهديد الضمني بالتصعيد إن استمر “نهج الهروب” الوزاري، كما ورد في نص البيان.
كلمة تضامن
في زمن تتعالى فيه الأصوات المطالبة بترسيخ العدالة الاجتماعية والإدارية، لا ينبغي أن تظل فئة المتصرفين التربويين ضحايا الترقية خارج دائرة الإنصاف.
هم ليسوا طلاب امتيازات، بل طالبي حق مهني مشروع، سلبته المساطر، وأخّرته البيروقراطية، ونسيتهم الإدارات في زحمة الملفات.
إن العدالة في الترقية ليست مِنّةً من أحد، بل واجب دستوري وقانوني، وأي تجاهل لهذه الحقيقة هو تكريس لميز إداري يجب أن يُقطع معه.




