مجتمعسياسة

بين سهرة طوطو وصرخة الشارع: جيل زد 212 يُوقظ حكومة النعاس السياسي!

ضربة قلم

سؤال يوجع أكثر مما يُسأل: أين كانت حكومتنا الموقّرة، وأحزابنا الموقّرة أكثر، قبل أن يخرج جيل “زد 212” من رحم المعاناة ليقول “كفى”؟
أين كانت كل هذه الطاقات الخطابية، والمهرجانات السياسية، والابتسامات الانتخابية، حين كانت البلاد تتألم بصمت، والشباب يهاجرون في قوارب معدنية لا تحمل سوى الأمل المهزوم؟

لقد جاء جيل “زد 212” ليعيد ترتيب الأسئلة التي خنقتها السياسة التقليدية، وليكشف هشاشة الوعود التي وُزعت لعقود كما تُوزع المنشورات في الأسواق، دون أثرٍ على الأرض. هذا الجيل لم يولد في المكاتب، ولا في مقرات الأحزاب، بل وُلد في الشارع، والمدرسة العمومية، والمقهى الشعبي، وعلى أرصفة البطالة الطويلة.
هو جيل يعرف تمامًا كم هو ثمن لتر الحليب، وكم تكلف تذكرة الحافلة، وكم من وجعٍ يُخفيه صمت الأسر البسيطة حين تُغلق الأبواب ليلاً.

الحكومة… التي لا تسمع إلا صدى صوتها

سنواتٌ طويلة، والحكومات المتعاقبة تتحدث عن “الإصلاح”، و”التنمية”، و”الفرص للشباب”، لكن الواقع كان يقول شيئًا آخر. مشاريع فوق الورق، ومبادرات تُطلق بالكاميرات وتُدفن في التقارير. وحين كان الشباب يصرخون في الشوارع، كانت الردود الرسمية باردة، كأنها تأتي من كوكب آخر.
لم تفهم الحكومة أن السكوت لا يعني الرضا، وأن الصبر لا يعني النسيان.

وحين اشتعلت شرارة احتجاجات “جيل زد 212”، هرعت الحكومة إلى بياناتها المعتادة، تُكرّر الجمل نفسها التي سئمها الناس:

“نحن نتابع الوضع عن كثب.”
“نُقدّر المطالب المشروعة وسنستجيب في الوقت المناسب.”

عباراتٌ تُشبه صدى الغرف الفارغة، لا حرارة فيها ولا صدق. والنتيجة؟ الشارع يغلي، والشباب يزدادون اقتناعًا بأن هذه الوعود ليست إلا لغة التخدير السياسي التي حفظوها عن ظهر قلب.

ولأن المفارقات في هذا البلد لا تنتهي، فقد كانت المفاجأة في الجانب الآخر من المشهد: بينما كانت الحكومة تلوك عبارات “سنستجيب للمطالب”، كانت حرم رئيس الحكومة، وهذا من حقها طبعًا، تُبرمج سهرة فنية على شرف مغني الراب “طوطو”!
مشهدٌ كأنّه خرج من مسرح العبث:
البلد يغلي، والوجوه الشابة تهتف في الشوارع، والحكومة تتحدث عن “الاستماع”، بينما النخبة السياسية ترقص على أنغام اللامبالاة.
عِش رجبًا، ترى عجبًا.

الأحزاب… حين اختلطت السياسة بالفرجة

أما الأحزاب، فقد كانت منشغلة بتمارينها القديمة: تحالفات تُبنى وتنهار، تصريحات تُصاغ بعناية لتُقال في نشرة الأخبار، ومؤتمرات شبابية تتحول إلى مهرجانات غناء أكثر من كونها فضاءات نقاش.
جيشٌ من السياسيين عاش في برجٍ عاجي لا يرى فيه الشباب إلا كخزانٍ انتخابي، أو جمهورٍ يُصفّق عند الحاجة.
وعندما بدأ جيل “زد 212” يتحدث بلغة جديدة – لغة الواقع، الرقمية، الصريحة، اللاذعة- أُصيب النظام الحزبي بالذهول.
لم يفهم كيف خرج هؤلاء من رحم اللاانتماء ليصنعوا انتماءً جديدًا أكثر صدقًا من الشعارات.

جيل “زد 212” لم ينتظر دعوات الأحزاب ليعبّر، بل خلق مساحته بنفسه: على الإنترنت، في الشوارع، في حملات التضامن، في النقد، في السخرية الذكية من الوعود الرسمية. لقد أصبح صوتًا جماعيًا لا يمكن تجاهله، لأنه نابع من عمق التجربة لا من خطابات الورق.

حين يتكلم الواقع بدل الشعارات

قبل ظهور هذا الجيل، كانت كل جهة تدّعي أنها تمثل “المواطن البسيط”. لكن الحقيقة أن المواطن لم يكن موجودًا في المشهد السياسي إلا كصورةٍ تُزيّن البرامج الانتخابية.
لم يكن أحد ينصت للقلق اليومي، للغضب الصامت، للكرامة المهدورة.
ثم جاء هذا الجيل، جيل لا يخاف من المواجهة، لا يكتفي بالتذمر، بل يسأل:

أين ذهبت أموال الإصلاح؟
لماذا تتكرر الأخطاء نفسها؟
من يحاسب من؟

أسئلة بسيطة، لكنها كافية لتُربك منظومة كاملة كانت تعيش على الطمأنينة الزائفة.

جيل “زد 212″… يقظة الضمير المغربي

اليوم، بعد أن أصبح اسمه يتردد في المجالس والمنتديات، بدأ البعض يحاول ركوب الموجة. سياسيون يعلنون دعمهم، مؤسسات تحاول التقرب منهم، ومحللون يسارعون لتفسير الظاهرة.
لكن الحقيقة الواضحة هي أن جيل “زد 212” لم يأتِ ليُضاف إلى المشهد، بل ليُعيد صياغته.
هو ليس حزبًا، ولا حركة تقليدية، بل حالة وعيٍ جماعي، تُعيد السياسة إلى معناها الأصلي: خدمة الناس، لا المتاجرة بهم.

هذا الجيل كشف عُري الخطاب الرسمي، وذكّرنا بأن الكرامة ليست مطلبًا ترفيًّا، بل شرطًا للوجود.
إنه جيل جاء من الرماد، من الظلّ، من واقعٍ لم يعد يحتمل الزيف، ليقول ببساطة: “نحن هنا… في قلب الهموم، لا في مقاعد المتفرجين.”

خلاصة المشهد:

قبل “زد 212”، كان المشهد السياسي يعيش في سباتٍ ناعم، يظن أن الشباب قد استسلموا، وأن الشعب قد نسي.
اليوم، لم يعد أحد يستطيع الادّعاء بأنه وحده يمثل الناس.
الرسالة وصلت:
إذا غابت الأحزاب عن هموم المواطنين، فإن المواطنين سيخلقون أحزابهم من ضوء الشارع وصوت القلب.

جيل “زد 212” لم ينتظر الإذن من أحد، بل صنع التاريخ على طريقته.
وفي مقابل سهرة “طوطو” ووعود الحكومة المتكررة، يبقى الشارع هو المنبر الحقيقي، والكرامة هي النشيد الوطني الجديد.

فيا حكومتنا الموقّرة،
لا يُطفأ لهيب الوجع بالموسيقى، ولا يُهدّأ الغضب بالبلاغات.
لقد بدأ زمن جديد…
زمن جيل لا يرقص على الجراح، بل يكتب بها تاريخه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.