
ضربة قلم
في هذا العالم، هناك كائنات غريبة، أفراد نادرون يحملون بداخلهم نورًا داخليًا، وكأنهم قد خُلقوا بمواصفات خارقة تجعلهم يشعرون بسعادة هستيرية لمجرد أن الآخرين سعداء. هؤلاء قد تراهم يبتسمون عند رؤية طفل يركض بفرح، يذرفون دمعة تأثر عند نجاح زميل، بل وقد يقيمون حفلة خاصة لمجرد أن جارتهم استطاعت أخيرًا تشغيل الغسالة الأوتوماتيكية دون الحاجة لطلب النجدة من فريق الطوارئ.
هؤلاء المتحمسون للعطاء، المهووسون بجعل الحياة وردية، يعشقون دور “بلسم الجروح البشرية”. هم أول من يهب لمساعدة عجوز تحمل أكياس الخبز، وأول من يصفق بحرارة عند نجاح شخص لا يمت لهم بصلة، وكأن الإنجاز قد أُضيف لسيرتهم الذاتية. قد يكون سبب هذا التصرف أنهم تربوا وسط قوس قزح من الحب والرعاية، أو ربما لأنهم ببساطة لم يتعرضوا للكم الكافي من النفاق البشري بعد.
لكن، لحظة… هل هذا يعني أنهم ملائكة بلا أنانية؟ بالطبع لا! فالعطاء عندهم هو نوع من الإدمان النفسي، متعة خفية تجعلهم يشعرون أنهم ذوو قيمة. إنهم يوزعون اللطف وكأنهم يحاولون شراء راحة البال بالقسط الشهري. لا بأس، فطالما أن النتيجة هي نشر السعادة، فلندعهم يعيشون في هذه الفقاعة المثالية، وليبقَ العالم ممتنًا لوجودهم.
وفي الزاوية الأخرى من الحلبة… كائنات تعاني من “حساسية نجاح الآخرين”!
إذا كان الفريق الأول يرى أن الحياة حفل شواء جماعي، حيث اللحم للجميع والسعادة متاحة بالمجان، فإن الفريق الثاني يرى الحياة كصراع بقاء، حيث “يا أنا، يا أنت، ولن نتقاسم شيئًا سوى الحقد”. هؤلاء لا يشعرون بالغيرة عندما يرون أحدهم يربح جائزة اليانصيب، فهم مقتنعون أن هذا حظ أعمى… لكن ما يقتلهم ببطء هو رؤية شخص كافح ونجح، لأن هذا يذكرهم بحقيقتهم المُرّة: أنهم لم يحاولوا أصلًا.
هذا النوع لا يكتفي بعدم الفرح لإنجازات الآخرين، بل قد يصاب باضطراب نفسي خطير يدفعه لمحاولة تقليل قيمة أي نجاح. فقد تسمعهم يقولون:
- “آه، فتح مشروعًا جديدًا؟ أكيد عنده ظهر!”
- “واو، حصلت على ترقية؟ واضحة، المدير يحبها!”
- “نجح في دراسته؟ هذا زمن الغش والواسطات!”
وإذا لم ينجحوا في التقليل من قيمة الإنجاز، فإنهم يلجؤون إلى الوسيلة الأكثر كلاسيكية: العمل خلف الكواليس لإفساد كل شيء! هؤلاء هم من قد يختبئون وراء حسابات مجهولة لكتابة تعليقات سلبية، أو ينشرون الإشاعات، أو ببساطة يلتزمون الصمت القاتل بدلًا من قول “مبروك”، وكأن الكلمة ستخصم من رصيد حياتهم.
هل هناك منطقة وسطى بين الفريقين؟
واقع الحياة أكثر تعقيدًا، فلا أحد منا قديس بالكامل ولا شيطان مطلق. معظم البشر يعيشون في هذه المنطقة الرمادية، تتأرجح أرواحهم بين الفرح للآخرين والضيق حين يرون شخصًا يسبقهم في السباق. الفرق الوحيد هو كيف نختار التعامل مع هذا الشعور: هل نحوله إلى دافع للنجاح؟ أم نغرق في مستنقع الحسد؟
في النهاية، الحياة ليست حلبة ملاكمة، والنجاح ليس قطعة “بيتزا” من يأخذها يحرم الباقي. من يفرح للآخرين يعيش مرتاحًا، أما من تقتله الغيرة فسيظل يركض داخل دوامةٍ من الحقد، حتى يكتشف في النهاية أنه الوحيد الذي لم يصل إلى أي مكان.