مجتمع

تارودانت: وهبي فصّل المجلس على مقاس الغياب: القانون حاضر… للاستئناس فقط!

ضربة قلم

آه تارودانت، مدينة الهدوء… لو لم تكن السياسة قررت أن تصنع منها مسرحًا عبثيًا، حيث يتحول مجلسها الجماعي، في كل دورة، إلى نسخة محلية من “حرب العروش”، لكن بدون تنانين… فقط بمقدمين، باشا، ومستشارة شعبية تحمل القانون التنظيمي كدرع، وتُشهره في وجه الفراغ.

دورة ماي، تلك التي يُفترض أن تكون “عادية”، تحوّلت إلى سيرك بلدي مكتمل الأركان. مستشارة من حزب الحركة الشعبية، يبدو أنها قررت أن تقول “كفى” في زمن لا يحب أحد سماع الكفايات، فتقدّمت بنقطة نظام، مستندة على القانون التنظيمي 113.14، الذي يشبه كتابًا مقدسًا بالنسبة للمعارضة، لكنه يُعامل كما تُعامل النوايا الحسنة في السياسة: يُذكر للتفاخر ويُنسى عند أول مطب قانوني.. فقالت – يا سادة – إن الدورة انعقدت في اليوم التاسع وليس في الأسبوع الأول، وكأننا في مسابقة لحساب الزمن، أو في اختبار شفهي حول ترتيب أيام الشهر. لكن الحق يُقال، معها حق. فالمجلس لم يعقد الدورة في موعدها، لكنّه عقدها في “مزاجه”، وتلك عبقرية تسييرية خالصة.

ولأن القانون في تارودانت لا يُناقش بل يُقاطع، فإن النائب الأول، الذي يبدو أنه استعار شيئًا من روح وهبي، بادر إلى المقاطعة. لا للنقاش. لا للحرج. لا للتذكير. “أنتِ خرجتي على جدول الأعمال”، قالها وكأن جدول الأعمال هو القرآن الكريم، والمستشارة قد ارتكبت كفرًا تشريعيا. فاشتعلت القاعة كأن أحدهم صبّ عليها زيتاً دستورياً. وانسحبت المستشارة، ليس وحدها، بل صحبة أصدقاء جدد من التجمع الوطني للأحرار وقائمة “تارودانت أولا”، الذين قرروا أخيرًا أن “الفراغ السياسي” ليس فقط مصطلحًا، بل ظاهرة فيزيائية تُقاس بغياب الرئيس.

عبد اللطيف وهبي، الرجل الذي لا يظهر في المجالس كما لا يظهر القمر في عز الظهر، قرر أن يجعل من منصبه جماعة شبحية. كيف لا، وهو منشغل ربما بإعادة تفسير القانون، أو بإعداد تعديل دستوري يمنح القياد صفة الضبط في السماء أيضًا؟ المهم، أن الرجل اختفى. وربما كتب على مكتبه عبارة: “عدت بعد الولاية”.

أما المستشارة، فبذكاء من يريد ترك أثر قبل الانسحاب، التحقت بما يُعرف بكتلة اليسار في الجماعة، وهي كتلة لا تخجل من القول إن الأمور تدار في تارودانت بأسلوب أقرب إلى “التحكم عن بعد”، لكن جهاز التحكم فيه بطاريات فارغة منذ أن تسلّم الرئيس مقاليد “اللا حضور”.

ومع ذلك، المجلس لم يهتز. الأغلبية اشتغلت كأن شيئًا لم يحدث. مرّت النقاط، صُودق عليها، وخرجت القرارات كما تخرج البيانات في الأنظمة المتقدمة: بالإجماع، بلا صوت معارض، بلا حتى نظرة ساخطة. صادقوا على انضمام جماعة أيت مخلوف إلى قطب الصحة والنقل، وكأنها خطوة ثورية في عهد غياب الحُكم. ومنحوا الأرض لبناء مستشفى، لأن لا شيء يُطفئ الغضب السياسي مثل جرعة إسمنت. وقعوا اتفاقيات للسياحة، وربما نظموا مهرجانًا للفنون الشعبية لعلاج “التسيير العشوائي” بالرقص والغناء.

كل هذا يجري، والناس تنظر. الباشا ينظر. المواطنون الحاضرون ينظرون. والمستشارة، من بعيد، تبتسم بسخرية مُرة، لأنها اكتشفت أن القانون لا يُستعمل في تارودانت إلا كزينة للنقاش، تمامًا كما تُستخدم ورقة النعناع فوق الشاي… شكل بلا تأثير.

وفي النهاية، يبقى السؤال الكبير معلقًا: هل غاب وهبي عن الدورة، أم أن الدورة هي التي غابت عن وهبي؟ لا أحد يجرؤ على الإجابة، لأن الجواب ربما يتطلب نقطة نظام جديدة… وقلنا إن القاعة لا تحتمل المزيد من النقاط، فقط تحتمل المزيد من الغياب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.