مجتمع

تجديد القيادات على الأبواب: حركة انتقالية تُهيئ صفوف الولاة والعمال لإعادة توزيع السلطة

ضربة قلم

تُعد تنقيلات الولاة والعمال أحد أدوات السيطرة السياسية والإدارية التي لطالما خضعت لسيطرة السلطات المخزنية، ومعها وزارة الداخلية التي تمثل العمود الفقري لنظام التعيينات في الإدارة الترابية. في الدورات الأخيرة، خاصة في التنقيلات التي حدثت على مدى العامين الماضيين، لم نرَ ما يذكر من تجديد أو تحديث في آليات اختيار الكفاءات، بل على العكس، فوجئنا بترقيات بعض الأسماء التي بالكاد تُعد على قد الحال، حيث تنتقل من عمالات نائية إلى عمالات أكبر دون أن يرافق ذلك أي تحسين ملموس في الأداء أو الإنتاجية.

عوامل السلطة والتمييز السياسي
يُعدّ ما يُعرف بـ “عامل الستات” – أي استخدام السلطة التقديرية في توزيع المناصب – كأحد أهم العوامل التي تؤثر في عملية التنقيلات. إذ تُستخدم هذه الصلاحيات كأداة لتعزيز الشبكات القبلية والسياسية وتفضيل من يثبت ولاءه أو ينتمي إلى نفس الدوائر، ما يؤدي إلى تهميش أبناء الشعب الذين يمتلكون كفاءات مضافة حقيقية. هذا التوجه يضعنا أمام مشكلة جوهرية، إذ أن الترقية القائمة على الولاءات والمحاباة وأشياء لم تعد خافية تؤدي إلى إرهاق “البطون” من الهرولة وراء المال بدلاً من تركيز الجهود على خدمة المصلحة العامة وتحقيق التنمية المستدامة.

التجارب الحالية وتداعياتها
تشير التجارب الحالية إلى أن هذه المناصب، التي كان من المفترض أن تكون وسيلة لتعزيز الكفاءة ورفع جودة الخدمات، قد ابتليت بأشخاص يؤكدون تقارير الجهات المختصة أنهم يسرقون ولا يشبعون؛ أي أن سلوكيات الفساد والمحسوبية باتت جزءًا من الروتين الإداري. وهذا بدوره ينعكس سلباً على مستوى أداء الإدارة الترابية ويضعف الثقة في آليات التجديد والإصلاح.

نداء الرأي العام الوطني وإمكانية التغيير
يتصاعد النداء من الرأي العام الوطني لفتح الفرصة أمام أبناء الشعب الأبرياء من الانتهازية والهرولة، ممن يمتلكون القدرة على إحداث فرق حقيقي، بدلاً من الاستمرار في دائرة “الاختيارات التقليدية” التي تحكمها علاقات وولاءات قديمة. الرأي العام يشدد على ضرورة تطبيق نظام شفاف يعتمد على معايير الكفاءة والجدارة، والحرص على اختيار الكفاءات التي لا تسعى وراء المال بأي ثمن، بل تسعى لتحقيق مصلحة المجتمع بأكمله.

المجلس الوزاري القادم كفرصة للتغيير
وفي ظل هذه المعطيات، يترقب الشارع السياسي المغربي انعقاد المجلس الوزاري المقبل الذي سيرأسه الملك محمد السادس. يُأمل من هذا المجلس أن يكون بمثابة نقطة تحول حقيقية تُعيد النظر في آليات التنقيلات والتعيينات في الهيئات الترابية، وتفتح باب الإصلاحات التي يطالب بها المواطنون. فمن المهم جداً أن تُعاد آلية اختيار الولاة والعمال إلى نصابها الصحيح، بعيداً عن تأثيرات المحسوبية والولاءات الضيقة وترتيبات الكواليس، مع التركيز على ضمان شفافية وفاعلية الاختيارات بما يتماشى مع التحديات التنموية الكبيرة، خاصةً مع المشاريع الكبرى المرتبطة بكأس العالم 2030.

ختاماً
تبقى المسألة في النهاية مسألة ثقة بين المواطن والدولة؛ فبناء نظام تعيين قائم على الكفاءة والشفافية لا يساعد فقط في تحسين الأداء الإداري بل يعزز أيضاً الإحساس بالعدالة والمساواة في المجتمع، مما ينعكس إيجاباً على جميع جوانب الحياة العامة. ولذا، فإن رفع مستوى المساءلة والحد من عامل “الستات” يجب أن يكون من أولويات الإصلاح الإداري في المغرب، لضمان أن تكون المناصب الترابية وسيلة لتحقيق التنمية الحقيقية والاستقرار الاجتماعي وليس مجرد أدوات لتوزيع النفوذ والسيطرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.