تحويلات الخارج: حين تُرسل الجالية دمها… فيُهرّبه “الوطنيون” إلى سويسرا!

م-ص
في كل صيف، يبدأ الموسم العظيم! لا نقصد موسم الحصاد ولا موسم الحج، بل موسم عودة أولاد البلاد من بلاد الناس، هؤلاء المغاربة الذين قضوا عامًا كاملًا وهم “ينفخون في القفّة”، يشقّون الطريق وسط الميترو والباطو، يمسحون الصحون، ويكنسون الشوارع، ويربّون أبناء الآخرين، ثم يعودون إلى حضن الوطن بجيوب مثقلة باليورو والدرهم الخليجي والدولار الأمريكي أو الكندي، وأرواح أنهكها الحنين.
نعم، حسب مكتب الصرف، تتجاوز تحويلات الجالية المغربية 115 مليار درهم سنويًا، وهو رقم محترم جدًا لدرجة أنه لو كانت هناك جوائز وطنية للمواطنة لوجب أن تُسلّم لهم، لكننا في وطن تُمنح فيه الجوائز لكبار “الناهبين” وشهادات الوطنية لمهندسي التهريب الضريبي.
الجالية: “المجاهدون بصمت”
غالبيتهم لا يحملون شهادات جامعية فاخرة ولا يسكنون في أحياء راقية، لكنهم يحملون الوطن في جيوبهم وقلوبهم. يشتغلون في المقاهي والمصانع والحقول والمستشفيات… يجمعون “الفْلوس” درهمًا بدرهم، ويحولونها إلى المغرب وهم مغمورون بالشوق.
يحجزون شققًا من فئة “الاقتصادي” بضعف سعرها الحقيقي، يقضون عطلهم وسط زحمة السير وانتظار الإدارات العقيمة، لكنهم راضون، لأنهم يرون في المغرب بيتًا، حتى لو كان هذا البيت يتسرب منه الماء وتختفي فيه الأعمدة بعد كل زلزال إداري.
في الجهة الأخرى من الطاولة: “الوطنجيون” الجُدد
بينما ابن فرنسا أو بلجيكا يكدّ في تنظيف مراحيض الأوروبيين، هناك “وطني” في أحد مكاتب الدولة يُبرمج تحويل الملايير إلى الخارج، لا على شكل تحويلات قانونية، بل عبر تقنيات لا تُدرّس إلا في كليات “النهب العالي”.
هؤلاء لا يحتاجون إلى “غربتهم” ليجمعوا المال، بل يكفيهم توقيع في وثيقة عمومية، أو ترتيب صفقة، أو ضبط لجنة تحكيم، ليخرجوا بملايين الدراهم التي لم تمر يومًا من عرق جبينهم.
يشتري أحدهم فيلا في ماربيا، وآخر يقتني شقة في باريس بمبلغ لا يملك ما يبرره في أي تصريح للممتلكات. وعندما تُسأل الدولة عن ذلك، تُخرج سلاحها التقليدي: “السرّ البنكي”!
الجالية تشتري شققًا… والفاسدون يهربون ثروات
حين يشتري مغربي مقيم في الخارج شقة متواضعة في نواحي مراكش، تُرهقه الوثائق، وتطحنه الإجراءات، ويستجوب كأنه مشتبه فيه. أما صاحبنا الذي هرّب الملايير إلى بنما، فتنتهي التحقيقات بـ: “لقد ثبت أن التحويل كان قانونيًا”.
أي قانون هذا الذي يحمي “لصًا في بدلة رسمية”، ويحاسب “مهاجرًا جاء ليستثمر في بلده”؟ أي وطن هذا الذي يحتفي بمن غادره ليجلب له الخير، ويحتضن من بقي فيه لينهب خيره؟
من “الريف إلى الريفييرا”: انتقال غير بريء!
كم من مسؤول مغربي يمتلك شققًا في مدريد وبرشلونة وباريس ودبي؟ كم من “سياسي تقيّ” يتحدث عن الوطنية، بينما يحتفظ بجنسيته الأجنبية وثروته المحوّلة هناك؟
الأرقام مخيفة، وتكاد تفوق تحويلات الجالية نفسها، لكن الفرق الوحيد هو أن:
- تحويلات الجالية تُصرف على الأهل والمنازل والمدارس
- أما تحويلات “الوطنيين المزيفين” فتُصرف على الفنادق الفاخرة، والنبيذ المعتّق، والساعات السويسرية
أيها المغتربون… آسفون!
سامحونا لأننا لا نعرف كيف نحمي مالكم بعد أن يستقر في أراضي أجدادكم.
سامحونا لأننا نمنح كل التسهيلات للناهبين، ونجعل منكم مجرد بقرة حلوب.
سامحونا لأنكم تحبون الوطن بصدق، بينما هناك من لا يراه إلا مزرعة موسمية للنهب.
سامحونا لأنكم تبكون أمام القنصلية عندما تفقدون أحد أقاربكم هنا، بينما “وزراء سابقون” يبكون فقط إذا أغلقت حساباتهم البنكية هناك.
ويبقى السؤال الحارق:
متى تصبح الوطنية حسابًا بنكيًا شفافًا، لا قصيدة نفاق؟
ومتى نعترف أن من يُحضر المال للبلاد هو أولى بالاحترام ممن يُغادرها وهو يمتص في آخر ما تبقى؟
تحية لكل مهاجر شريف، وسؤال للوطني المزيّف:
هل استثمرتَ يومًا درهمًا واحدًا في هذا الوطن دون أن تطلب مقابله “كوميسيون”؟
والسلام على من هاجر قلبه، لا جيبه.




