ترامب يعود بجنون أكبر.. والدول العربية تغلي!

ضربة قلم
يبدو أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لم يتخلص من هواجسه القديمة، بل عاد ليحمل أوهامه السياسية إلى مستوى جديد من التهور. فمنذ أن انتهت ولايته الأولى بطريقة صاخبة ومثيرة للجدل، ظل ترامب يحلم بالعودة إلى المشهد العالمي، وكأنه لم يستوعب بعد أن العالم قد تغير. لكن جنونه السياسي بلغ ذروته هذه المرة عندما أطل علينا ببيان جديد يُعيد إنتاج خططه العبثية تجاه القضية الفلسطينية، في خطوة فجرت موجة غضب غير مسبوقة في العالم العربي.
غضب عارم يجتاح الشارع العربي
لا يخفى على أحد أن سياسات ترامب تجاه القضية الفلسطينية كانت دائمًا تتسم بالتحيز المطلق لإسرائيل، لكن ما يثير السخط اليوم هو محاولاته المستمرة لفرض واقع جديد لا يعكس إلا الوهم الأمريكي والإسرائيلي على حد سواء. الحديث عن “إعادة بناء غزة بشكل جميل” بعد إنهاء الحرب لا يعدو كونه خدعة سياسية لإخفاء نوايا أعمق تتعلق بتهجير الفلسطينيين وفرض حلول غير عادلة، وكأن الفلسطينيين مجرد سكان مؤقتين على أرضهم وليسوا أصحاب الحق فيها.
لم ينسَ العرب كيف أن ترامب، خلال ولايته الأولى، أقدم على خطوات لم يجرؤ عليها أي رئيس أمريكي قبله:
- نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في خطوة استفزازية نسفت كل مفاهيم الحلول الدبلوماسية.
- الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، في انتهاك صارخ للشرعية الدولية.
- إيقاف الدعم عن وكالة الأونروا، مما زاد من معاناة اللاجئين الفلسطينيين وضاعف أزمتهم الإنسانية.
واليوم، يعود ترامب ليكمل مسلسل العبث عبر دعم مخططات إجلاء الفلسطينيين تحت غطاء إعادة الإعمار، وكأنه يمنح “خدمة إنسانية” بينما الواقع يقول إنه مجرد ترحيل جماعي مقنّع لن يخلق سوى كارثة ديموغرافية وسياسية.
الأردن.. بين المطرقة الأمريكية والسندان الفلسطيني
إذا كان هناك طرف إقليمي سيكون الأكثر تأثرًا بهذه المخططات، فهو بلا شك الأردن، الذي يجد نفسه مجددًا في مواجهة أزمة قد تعيد تشكيل المشهد السياسي والديموغرافي في المنطقة. فالمملكة الأردنية، بحكم موقعها الجغرافي وارتباطها الوثيق بالقضية الفلسطينية، لا يمكنها أن تتجاهل هذه التهديدات، خاصة وأن أي خطوة من هذا النوع قد تحمل تداعيات كارثية على استقرارها الداخلي.
أبرز المخاطر التي تواجه الأردن في حال تنفيذ هذا السيناريو:
- ضغط ديموغرافي غير مسبوق
الأردن يحتضن بالفعل أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين خارج الأراضي الفلسطينية، وأي موجة جديدة من التهجير ستؤدي إلى إعادة خلط الأوراق داخليًا، حيث يمكن أن تتجدد النقاشات الحساسة حول الهوية الوطنية والتوازن السكاني داخل المملكة. - كارثة اقتصادية تلوح في الأفق
يعاني الاقتصاد الأردني أصلًا من ضغوط هائلة، تشمل ارتفاع معدلات البطالة، الديون المتزايدة، ونقص الموارد الطبيعية. فكيف سيتمكن من استيعاب موجة جديدة من اللاجئين الذين سيحتاجون إلى سكن، وظائف، وبنية تحتية جديدة؟ - احتقان شعبي قد يؤدي إلى اضطرابات داخلية
الشارع الأردني، المعروف بحساسيته العالية تجاه القضية الفلسطينية، قد لا يقف مكتوف الأيدي في حال حصلت تحركات تهدف إلى تهجير الفلسطينيين قسرًا. الاحتجاجات ضد التطبيع مع إسرائيل كانت مجرد نموذج لما يمكن أن يحدث إذا تصاعدت هذه الأزمة. - تحديات دبلوماسية حادة
الأردن، رغم علاقاته القوية مع الولايات المتحدة، لن يكون قادرًا على قبول أي مشروع يؤدي إلى تغيير معادلة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. فإما أن يواجه الضغوط الأمريكية بشكل مباشر، أو أن يجد نفسه مضطرًا لاتخاذ مواقف أكثر حدة من خلال تعزيز تحالفاته الإقليمية مع دول مثل تركيا وإيران، وهو ما قد يخلق مشهدًا جيوسياسيًا معقدًا في المنطقة.
هل المنطقة على أبواب زلزال سياسي؟
لا يمكن النظر إلى التحركات الأمريكية-الإسرائيلية الحالية بمعزل عن بقية الملفات الساخنة في المنطقة. فمنذ سنوات، تحاول إسرائيل فرض سياسات الأمر الواقع على الفلسطينيين، مستغلة دعمًا أمريكيًا غير مشروط. لكن الفرق هذه المرة أن رد الفعل العربي يبدو أكثر حدة، حيث تدرك الدول المجاورة أن أي تغيير في التوازن الديموغرافي والسياسي في فلسطين لن يقتصر تأثيره على الداخل الفلسطيني، بل سيمتد ليشكل تهديدًا مباشرًا لاستقرار المنطقة بأكملها.
السيناريوهات المحتملة:
- تصعيد دبلوماسي من الأردن ودول عربية أخرى
من المتوقع أن تتحرك الأردن دبلوماسيًا للضغط على واشنطن وإسرائيل عبر تحالفات جديدة، سواء مع الدول الأوروبية المعارضة لهذه السياسات أو من خلال تفعيل قنواتها الدبلوماسية داخل الأمم المتحدة. - عودة موجات الاحتجاجات الشعبية
قد يشهد الشارع الأردني احتجاجات واسعة ضد أي خطوة تهدف إلى فرض حلول غير عادلة على الفلسطينيين، خاصة إذا رافق ذلك تحركات داخلية لمحاولة تقليل ردود الفعل الرسمية. - توترات داخل إسرائيل نفسها
حتى داخل إسرائيل، هناك أصوات تحذر من خطورة هذا التوجه، ففرض حلول قسرية على الفلسطينيين قد يؤدي إلى تصاعد العنف، وتعميق الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي بين من يفضلون حل الدولتين ومن يسعون إلى تصفية القضية بالكامل.
مصر.. هل تقبل بـ “وهم ترامب الجديد”؟
مصر، بحكم موقعها الجغرافي وثقلها التاريخي في الصراع العربي-الإسرائيلي، ليست مجرد متفرج على هذا العبث السياسي الذي يحاول ترامب إعادة إنتاجه. فمنذ أن لعبت دورًا محوريًا في اتفاقيات السلام، ظلت القاهرة تحافظ على خيط رفيع بين التهدئة والدفاع عن حقوق الفلسطينيين. لكن التطورات الأخيرة تضعها في موقف حرج، فهل تقبل مصر بأن تكون جزءًا من “الوهم الجديد” الذي يسعى ترامب وإسرائيل إلى تسويقه؟
لماذا مصر في قلب العاصفة؟
الحديث عن إعادة إعمار غزة بغطاء أمريكي-إسرائيلي يخفي وراءه نوايا مشبوهة، خاصة فيما يتعلق بإيجاد “بدائل ديموغرافية” للفلسطينيين، وهنا يأتي دور مصر. هل يكون سيناء هو الحل؟ هذا السؤال ليس جديدًا، فقد طُرح مرارًا في الماضي، وكان الرد المصري دائمًا قاطعًا: لا توطين للفلسطينيين خارج وطنهم.
لكن مع عودة ترامب للمشهد، نتوقف عند محاولات عنصرية بإحياء هذه الأفكار مرة أخرى تحت مسميات مختلفة، مثل “منطقة آمنة” أو “ممرات إنسانية”، وهو ما يثير القلق حول ما إذا كانت واشنطن تسعى للضغط على مصر لقبول سيناريو التوطين التدريجي للفلسطينيين في سيناء، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
مصر ورفض “صفقة القرن 2.0“
في عهد ترامب الأول، كانت هناك ضغوط هائلة على مصر للموافقة على حلول غير عادلة للفلسطينيين، ضمن ما عُرف بـ “صفقة القرن”، لكن القاهرة رفضت ذلك بشدة. واليوم، مع عودة ترامب إلى الساحة السياسية، تعود التساؤلات نفسها:
- هل يحاول ترامب إعادة فرض هذه الأفكار مرة أخرى عبر صفقات جديدة؟
- كيف سيكون موقف مصر هذه المرة في ظل الضغوط الاقتصادية؟
- هل سيحاول اللوبي الإسرائيلي داخل واشنطن التأثير على الإدارة الأمريكية لدفع مصر نحو قبول الأمر الواقع؟
الموقف المصري الرسمي والشعبي
مصر تدرك أن أي حل يتجاوز الحق الفلسطيني في أرضه لن يكون إلا وصفة لكارثة جديدة، ليس فقط على الفلسطينيين، بل على أمنها القومي أيضًا. فالتاريخ أثبت أن مصر لا يمكنها أن تكون وسيطًا في معادلة تضر بمصالحها الاستراتيجية، كما أن الشارع المصري حساس جدًا تجاه أي محاولة للعبث بالقضية الفلسطينية، وهو ما قد يجعل أي تنازل رسمي أمرًا مستحيلًا.
باختصار، ترامب قد يعتقد أنه قادر على إعادة رسم الخرائط السياسية في الشرق الأوسط، لكنه يتجاهل أن مصر ليست ورقة يمكن اللعب بها متى شاء، وأن الشعب المصري لن يسمح بأن يكون جزءًا من مؤامرة إعادة صياغة القضية الفلسطينية بما يخدم إسرائيل فقط.
في النهاية.. العرب لن يقبلوا بفرض الحلول الأمريكية
رغم الضغوط السياسية، فإن الواضح أن الدول العربية، وعلى رأسها الأردن، لن تكون مستعدة لابتلاع هذه القرارات العبثية بسهولة. ترامب قد يحلم كما يشاء، لكن فرض حلول على أرض الواقع لن يكون ممكنًا إلا إذا وافقت الشعوب عليه، وهو أمر مستبعد تمامًا.
القضية الفلسطينية ليست ملفًا سياسيًا عابرًا يمكن تغييره بجرة قلم أو باتفاقات سرية في غرف مغلقة، بل هي حق تاريخي غير قابل للمساومة. وأي محاولة أمريكية-إسرائيلية لفرض واقع جديد لن تكون سوى إشعال لفتيل أزمة أعمق، قد تتجاوز حدود فلسطين والأردن، وتمتد إلى المنطقة بأسرها.
العالم العربي اليوم أكثر وعيًا من أي وقت مضى، والغضب المتصاعد قد يكون البداية فقط لمرحلة جديدة من المواجهة السياسية والدبلوماسية التي لن تنتهي بسهولة.