تسريب المعطيات البنكية: عندما تصبح أموالك وجبة شهية للقراصنة!

ضربة قلم
في بلاد الأمان الرقمي والراحة البنكية، حيث يطمئن المواطن إلى أن أمواله في “أيادٍ أمينة”، فجأة يجد نفسه نجمًا في فيلم إثارة رقمي بعنوان: “حسابك البنكي في خطر!” والسيناريو بسيط: تذهب لتناول فنجان قهوة، تهمّ بدفع الفاتورة، فتكتشف أن حسابك تم تنظيفه بعناية فائقة من قبل هاكر لطيف يجلس على بعد آلاف الكيلومترات، يحتسي قهوته أيضًا، ولكن بأموالك هذه المرة.
31 ألف بطاقة مسربة: مرحبًا بكم في مزاد الويب المظلم!
بحسب شركة Cypherleak، المتخصصة في مراقبة التسريبات الأمنية، فإن حوالي 31,220 بطاقة بنكية مغربية قد وجدت طريقها إلى الويب المظلم، حيث يجتمع محترفو النصب والاحتيال في سوق مفتوحة تعرض فيها البطاقات كما لو كانت خضارًا في سوق شعبي. لكن الفرق هنا أن المشتري لا يحتاج إلى أن يساوم، بل يدفع مبلغًا بسيطًا ويحصل على بيانات تتيح له التسوق مجانًا، على حسابك طبعًا.
الأرقام الصادمة: ماذا يعني تسريب CVV وتاريخ الانتهاء؟
الأمر ليس مجرد تسريب بسيط، بل تسريب شامل بمعايير فاخرة:
- 21,657 بطاقة تم تسريبها مع رمز CVV، أي تلك الأرقام الثلاثة الصغيرة التي تحرص البنوك على إقناعك بأنها “السر الأعظم”، لكنها الآن متاحة لأي قرصان عابر.
- 19,453 بطاقة مكشوفة بتاريخ انتهاء صلاحيتها، مما يعني أن المخترقين لا يحتاجون إلا إلى تخمين بضعة أرقام للوصول إلى الحسابات.
- 5,523 بطاقة لا تزال صالحة للاستعمال، وهو الرقم الأكثر رعبًا، إذ تعني هذه البطاقات أن القراصنة ليسوا بحاجة لأي جهد إضافي للاستيلاء على الأموال.
ردود الأفعال: البنوك في وضعية “لا تعليق”!
عند وقوع فضيحة كهذه، يتوقع الزبون أن تخرج البنوك ببيان طارئ، تحذّر فيه زبناءها، تتخذ إجراءات وقائية، وربما تقدم بعض التعويضات. لكن في الواقع، غالبًا ما يكون الرد الرسمي على شاكلة:
- “لا داعي للقلق، نظامنا محمي بأحدث التقنيات!” (جميل! لكن كيف سُرقت 31 ألف بطاقة إذًا؟).
- “نحن نحقق في الموضوع وسنوافيكم بالمستجدات قريبًا” (والمقصود بـ”قريبًا” هنا هو: “انسَ الأمر”).
- “الزبون مسؤول عن الحفاظ على بياناته وعدم تسريبها” (رائع! إذن المشكلة ليست في البنوك، بل في المواطنين الذين “قرروا” تسريب بطاقاتهم عن طيب خاطر!).
الزبون المغربي: من الضحية إلى المتهم!
المواطن المسكين الذي فتح حسابًا بنكيًا لتأمين أمواله، يجد نفسه فجأة في قفص الاتهام. في نظر المؤسسات المالية، ربما استخدم هاتفه بشكل خاطئ، أو حفظ بطاقته في موقع غير آمن، أو ببساطة لم يكن حذرًا بما يكفي، وكأن حماية الحسابات مسؤولية فردية، وليس مسؤولية البنوك التي تتباهى بنظمها الأمنية الفولاذية.
كيف يواجه المواطن هذه المهزلة؟
بما أن الحلول البنكية ليست في الأفق، فإن الزبون المغربي يطور استراتيجياته الخاصة لحماية نفسه:
- العودة إلى “النكاشية”: حيث يصبح التعامل نقديًا هو الملاذ الآمن. لماذا تحمل بطاقة بنكية إذا كانت ستتعرض للسرقة قبل أن تستخدمها؟
- فتح حسابات متعددة: أحدها للاستخدام اليومي، والآخر “سري” للحالات الطارئة، لأن الثقة في البنوك أصبحت مثل الثقة في “سائق طاكسي” يقول لك إنه يعرف الطريق لكنه يفتح “Google Maps” كل خمس دقائق.
- وضع حد أدنى للأموال في الحساب: فلا يجد الهاكر سوى “الرياح”، ويضطر إلى البحث عن ضحية أخرى.
ويبقى السؤال: من يحمي المواطن؟
في النهاية، نحن أمام حالة كلاسيكية من “الجريمة بلا عقاب”، حيث يتم تسريب بيانات حساسة، ولا أحد يُحاسَب، ولا أحد يخرج بتوضيح واضح، وكأن الأموال المسروقة تعود إلى “جهة مجهولة”، رغم أن الضحايا يعرفون جيدًا أن الجاني ليس سوى إهمال أمني فادح.
إلى أن نرى إجراءات فعلية بدلاً من التصريحات المطمئنة، يبقى الحل الوحيد للمغاربة هو الترقب والقلق مع كل عملية بنكية، والتأكد كل صباح من أن حساباتهم لم تتحول إلى “وجبة هاكر” جديدة على مائدة الويب المظلم!