دفاتر قضائية

توقيف عنصري أمن في قضية تسريب فيديو المحامي.. تصحيح مسار أم محاولة لامتصاص الغضب؟

ضربة قلم

في تطور جديد لقضية المحامي المعتقل بمدينة مراكش، والتي أثارت جدلاً واسعاً ووضعت العلاقة بين السلطة وممثلي العدالة تحت المجهر، أفاد مصدر مقرب من الملف أنه تم قبل قليل توقيف عنصري الأمن اللذين قاما بتصوير الفيديو الذي هز مواقع التواصل الاجتماعي، والذي ظهر فيه المحامي في وضعية مهينة داخل سيارة أمنية، مكبلاً وهو يصرخ ويوجه عبارات وصفت بأنها تمس بثوابت الدولة.

وبحسب المعطيات التي توصلنا بها، فإن توقيف المعنيين بالأمر جاء في سياق التحقيقات التي فُتحت حول ملابسات تصوير وتسريب الفيديو، والذي تحوّل إلى مادة للتشهير عوض أن يكون مجرد توثيق داخلي لإجراء أمني. وهو التسريب الذي وُصف من قبل حقوقيين ومحامين بأنه تجاوز خطير للضوابط المهنية والأخلاقية، ومسّ مباشر بحق الفرد في صون كرامته، خصوصاً في لحظة ضعف وانهيار.

ولعل هذا الإجراء، ولو جاء بعد انتشار واسع للمقطع وردود فعل غاضبة، يطرح سؤالاً عميقاً حول خلفيات هذا النوع من التسريبات التي باتت تتكرر في ملفات مشابهة، حيث تُستعمل الكاميرا كسلاح، لا كوسيلة إثبات، ويُداس مبدأ قرينة البراءة أمام جمهور افتراضي سريع الأحكام، لا يرحم.

توقيف عنصري الأمن، إن كان يعكس توجهاً حقيقياً نحو ربط المسؤولية بالمحاسبة، فهو خطوة في الاتجاه الصحيح، ورسالة مفادها أن “هيبة الدولة” لا تعني الصمت على التجاوز، بل العكس، تعني أولاً أن الدولة لا تقبل أن يُستعمل جهازها للإذلال أو التشهير، ولا أن تتحول مؤسساتها إلى أدوات تصفية أو عقاب رمزي.

لكن في المقابل، هناك من يعتبر أن هذا التوقيف قد يكون جزءاً من محاولة لاحتواء الغضب الشعبي ورد الاعتبار للمؤسسة الأمنية، بعد أن انقلب السحر على الساحر، وتحولت الواقعة من لحظة “تأديب رمزي” لرجل قانون، إلى صفعة أخلاقية طالت الجهاز نفسه. وهو احتمال وارد، خصوصاً وأن مسألة التوازن بين سلطة الضبط وحفظ الكرامة الفردية ما تزال هشّة، وتُختبر كل مرة مع حادثة مماثلة.

إن المشهد المغربي اليوم لا يحتمل المزيد من النفاق المؤسساتي. فإما أن تُطبق القوانين بنفس الصرامة على الجميع، أو نقرّ أننا نعيش في سياقات عدالة انتقائية، تحاكم الأفعال لا بناءً على خطورتها فقط، بل على هوية مرتكبها ومكانته داخل “خريطة الحصانة غير المعلنة”.

ويبقى الثابت أن هذه القضية، بكل تعقيداتها، لن تُغلق بسهولة. فالمحامي ما يزال رهن الاعتقال، والرأي العام منقسم بين من يرى في تصرفه خرقاً فاضحاً للأخلاق والرموز، ومن يعتبره ضحية وضع نفسي وسكر لا يُبرران ما جرى، لكن لا ينفيان حقه في محاكمة عادلة بلا تشهير. كما أن المؤسسات المعنية مطالبة اليوم بأكثر من مجرد اعتقال موظفين، بل بمراجعة حقيقية لسلوكيات تتكرر ولا تُعالج إلا حين تُحرج أصحاب القرار.

وإلى حين صدور نتائج التحقيق، واستمرار محاكمة المحامي، سيبقى سؤال جوهري عالقاً في أذهان كثيرين:
هل كانت هذه الحادثة درساً في احترام القانون، أم في كيفية الالتفاف عليه؟ وهل نحن أمام تصحيح للمسار، أم مجرد خطوة محسوبة لتبييض صورة مؤسسات بدأت الثقة فيها تتآكل؟

تذكير: الصورة تعبيرية ولا تمت بصلة للشخص المعني بالقضية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.