مجتمعالشأن المحلي

ثورة المحمدية: استيقظوا يا شعب المدينة لإنقاذ مستقبلنا!

محمد الفضالي

عزيزي القارئ، المحمدية اليوم في حالة يرثى لها، وتبدو وكأنها تحتضر ببطء في وجه الإهمال وسوء الإدارة، فالمسؤولون لا يقدرون على إعادة البهجة والروح التي كانت تميز هذه المراتع التي حملت بين طياتها أمل وسعادة أجيال من السكان. تعيش المحمدية حالة من الاضطراب والتراجع في كافة المجالات، بدءًا من الشاطئ الذي كان يومًا رمزًا للفخر والسعادة، حيث بُنيت ترتيباته الأخيرة قبل ولادة الولاية الحالية للمجلس الجماعي، وأصبحت الآن مجرد بقايا من الماضي الجميل بعد أن تم إغلاق المراحيض وفُقدت الروح التنظيمية، مع عودة كراء الشماسي والكراسي دون أدنى اتفاق رسمي أو شفافية. هذا الوضع الغامض يثير شكوكًا كبيرة حول الجهات المستفيدة من هذه الفوضى، إذ يبدو أن مصالح خاصة تتلاعب بممتلكات ومرافق عامة كان من المفترض أن تخدم المواطنين بكل أمانة واحترافية.

وليس هذا النقص في البنية التحتية وحسب، بل إن الخدمات في المحمدية تراجعت بشكل خطير، مما أثر بشكل مباشر على الحياة اليومية للسكان. فالمدينة التي كانت تعرف من خلال تاريخها أمجاد وساعات من الفرح أصبحت الآن تعاني من نقص في الصيانة والإهمال في كل ركن، وكأن المجلس الجماعي يعيش في جزيرة معزولة عن هموم المواطنين. رئيس الجماعة الذي كان من المفترض أن يقود المسيرة التنموية تاه في تفاصيل أخرى، إذ وجد نفسه منهمكًا في تسيير فريق الوداد، في حين تُترك شؤون المدينة الحقيقية للنسيان، مما يخلق فجوة كبيرة بين توقعات السكان وواقع الإدارة.

لم تسلم المساحات الخضراء في المحمدية من الإهمال الذي طال كل شيء في المدينة، فتحولت الحدائق التي كانت متنفسًا للعائلات والأطفال إلى أراضٍ جرداء يعلوها الغبار وتغزوها الأوساخ، بعدما غابت عنها الصيانة والعناية التي تستحقها. النوافير المعطلة، الأشجار التي ذبلت تحت وطأة الإهمال، والمقاعد التي تحولت إلى أطلال مهجورة كلها مشاهد تختزل حجم الكارثة البيئية التي تعيشها المدينة. وكأن هذا الخراب لم يكن كافيًا، اجتاحت الكلاب الضالة الشوارع والأحياء وحتى شواطئ المدينة، تصول وتجول بلا حسيب أو رقيب، ناشرة الذعر بين السكان، وخاصة الأطفال الذين أصبحوا يخشون اللعب في الأماكن العامة. لم يعد المشهد يليق بمدينة كانت تُعرف بجمالها ونظافتها، بل أصبح أقرب إلى قرية منسية في أطراف النسيان، حيث تغيب أدنى شروط الحياة الكريمة، ويبدو وكأن المسؤولين اختاروا ترك الأمور تنهار دون أي تدخل حقيقي يعيد لهذه المساحات روحها المفقودة.

مشهد الكلاب وهي تحتل المساحات العامة والحدائق المهملة يعكس الإهمال العميق الذي تعاني منه المدينة، ويطرح تساؤلات ملحة حول غياب استراتيجيات واضحة وبأقل تكلفة لمعالجة هذه المشكلة التي تهدد الصحة العامة وتنغص حياة المواطنين.

ثورة المحمدية: استيقظوا يا شعب المدينة لإنقاذ مستقبلنا!

وهكذا، يبدو أن ظاهرة “ترييف الشواطئ” أصبحت قاعدة غير مكتوبة، حيث تجد على الرمال الناعمة مزيجًا غريبًا من كراسي بلاستيكية متهالكة، ومراحيض مغلقة، وسرابيل خيول السيرك التي تتجول بكل حرية، تاركة وراءها بقاياها البيولوجية كتذكار لا ينسى.

المشهد في بعض الشواطئ المحلية لم يعد مقتصرًا على البحر والرمل، بل صار نسخة موسعة من سوق أسبوعي؛ حيث يمكنك أن تشتري الذرة المشوية من بائع متجول، ثم تجد نفسك في مطاردة مع حصان طليق قرر أن يفرغ ما في جوفه على الممشى الرئيسي. وطبعًا، لا أحد مسؤول عن هذا “التراث الطبيعي” الجديد الذي يُضاف إلى نسيج المكان.

هؤلاء الخيول، رغم جمالها، تحولت إلى عنصر دخيل على الفضاء البحري، حيث لا رقابة ولا تنظيم. فهي ليست جزءًا من عرض فني، ولا وسيلة نقل سياحية رسمية، بل مجرد مشاريع تجارية عشوائية وجدت طريقها إلى الشاطئ، تضيف نكهة بدوية غير منسجمة مع طبيعة المكان.

فهل صار علينا أن نحمل معنا كيسًا بلاستيكيًا ليس فقط لجمع القمامة، ولكن أيضًا لتفادي “الهدايا الطبيعية” التي تتركها الخيول؟ أم أننا ببساطة نشهد فصلاً جديدًا من “الاحتلال العشوائي للشواطئ” الذي يجسد الفوضى في أبهى صورها؟

هذا، ولا يمكننا إغفال تأثير النفوذ الخارجي الذي يتجلى في هيمنة “مملكة مونيكا” على قرارات ومصالح المدينة، حيث لم تكتفِ هذه القوى بحرمان سكان المحمدية من الاستفادة من شاطئهم، بل تتحدّى كل القوانين والأعراف لتحويل هذه المنطقة إلى نوع من الثكنة التي تليق بعالم آخر بعيد عن مبادئ الحي وروحه. إن هذه التدخلات تُعد انتهاكًا صارخًا للحقوق المحلية، وتفرض تغييرًا جذريًا في نمط الحياة التي اعتاد عليها السكان، مما يزيد من معاناة الناس ويخلق حالة من الذعر والقلق حيال مستقبل مدينتهم.

وفي نفس السياق، يبرز التدهور في باقي القطاعات الحيوية، فالنقل العام والخدمات الاجتماعية والصحة أصبحت تعاني من ضعف واضح، حيث تتأثر حياة المواطنين في كل جانب من جوانبها، وتتفشى ظاهرة الإهمال والتقصير الإداري دون رقابة فاعلة. كما أن سقوط فريق المدينة إلى القسم الثاني يُعد رمزًا آخر “لنجاح” الإدارة والإرادة في التخلص من اللاعبين الرسميين وتحقيق استراتيجية إسقاط الفريق إلى القسم الثاني كخطوة أولى؛ حيث أصبح الهدف ليس بناء فريق قوي، بل تفريغ اللاعبين وبيعهم بأثمنة خيالية، دون أن يظهر أثر لهذا “الاستثمار” على مستوى النادي أو جمهوره.

في بعض الحالات، يتحول النادي إلى منصة عبور، أشبه بمحطة قطار للاعبين: يأتون، يرحلون ويباعون، والوحيد الذي يبقى ثابتًا هو الجمهور، الذي عليه أن يتقبل كل موسم واقعًا جديدًا، بأسماء جديدة، ومشروع “إعادة بناء الكتاكيت” لا ينتهي.

فهل نحن أمام كرة قدم أم بورصة متنقلة؟ وهل أصبح العشق الكروي مجرد لعبة أرقام حيث الربح أهم من المدينة وسكانها؟

إن هذا التراجع في مجال الرياضة لا يعكس فقط في التعبير عن عداوة مفتعلة ضد المدينة وضعف الأداء الفني أو الاستثماري، بل يشير إلى أن المدينة تعاني من أزمة هادفة في إرساء خطط تنموية مستدامة تضمن ازدهار كل القطاعات معًا.

عزيزي القارئ، نقف اليوم أمام مفترق طرق حيث تتطلب الظروف المزرية في المحمدية تدخلاً عاجلاً وحلولاً جذرية. يجب أن يُعاد النظر في سياسات الإدارة المحلية وأن تُستدعى الكفاءات الحقيقية الغيورة على المدينة قبل مصالح الضيعات الخاصة أو التفكير في الانقضاض على خيرات المدينة وتحقيق “مستقبل بديل” باسم تمثيلية الساكنة…

إن إعادة الحياة إلى المحمدية وإحياء الروح الجماعية التي كانت سائدة في أزمان مضت، يحتاج إلى رؤية واضحة وإرادة سياسية لا تقبل بالركون إلى التقاعس والإهمال. فلا بد من اتخاذ خطوات جدية لإعادة تنظيم خدمات النقل والتعليم والصحة، وتوفير صيانة دورية للمرافق العامة، وضمان أن تبقى الثروات الطبيعية والتراثية للمدينة في خدمة أهلها لا في خدمة مصالح ضيقة تضر بمصالح الجميع.

إن مدينتنا تحتضر، ومن يبنقذها من الموت إلا بتضافر جهود الغيورين والإصلاحات الشاملة التي تعيد لهذه المدينة أمجادها السابقة، وتضع حداً لاستغلالها من قبل من لا يعرفون قيمة الأرض والهوية. علينا جميعًا أن نكون على وعي تام بحجم الأزمة وأن نطالب بحقوقنا، فلا يقف السكوت عند هذه الممارسات التي تحرمنا من مستقبل مشرق ومستدام.

إنه وقت التغيير، وعندما يتكاتف المواطن مع أصحاب النوايا الحسنة -على قلتهم- من أجل المصلحة العليا لفضالة، يمكننا أن نعيد الحياة والأمل إلى كل زاوية من زوايا مدينتنا التي طالما كانت منبعًا للفرح والتلاحم الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.