مجتمعالشأن المحلي

جبايات الجماعات.. المال السايب يعلم الطمع!

ضربة قلم

في ردٍّ لا يخلو من دبلوماسية مالية، كشف وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت أن وزارته بصدد إعداد “مدونة جبايات الجماعات الترابية”، وكأننا أمام اكتشافٍ جبائي عظيم سيُغيّر مجرى التاريخ المالي للجماعات! الهدف، حسب الوزير، هو تجميع النصوص المتناثرة كما تفعل ربات البيوت عند لمّ شتات وصفات الطبخ، لكن هذه المرة مع ضرائب ورسوم تبدو شهية لبعض الجماعات أكثر من الأوعية العقارية نفسها.

الإصلاح الجبائي المنتظر – أو “التنظيف المالي” كما قد يسميه البعض – سيرتكز على القانون الإطار 69.19، الذي يطمح إلى تبسيط الرسوم المفروضة على الممتلكات والأنشطة الاقتصادية، وحتى هنا، يبدو كل شيء مثالياً على الورق. لكن الواقع مختلف تمامًا، فالجماعات تعاني من “كسل تحصيلي” مريب، حيث يُفضّل بعض رؤسائها تجنّب تحصيل الضرائب خوفًا من خسارة القاعدة الانتخابية التي أوصلتهم إلى كراسي المسؤولية. فكما هو معلوم، “ما تحسب ما تخلع”، وهذا ما يجعل الجماعات دائمًا تمد يدها للدولة طلبًا للمزيد من الدعم، وكأنها “قاصرٌ مالي” يحتاج إلى النفقة!

ورغم هذه “المقاومة الجبائية”، قررت حكومتنا الرشيدة رفع حصة الجماعات الترابية من الضريبة على القيمة المضافة من 30% إلى 32% في قانون مالية 2025، وهي زيادة تُشبه إضافة بضعة دراهم لقهوة “كابوتشينو” دون تغيير طعمها أو تحسين جودتها! والهدف، بالطبع، هو تعزيز الموارد، لكن لا أحد يشرح لنا كيف سيتم إنفاق هذه الأموال، وهل ستُترجم فعلًا إلى مشاريع حقيقية أم ستنتهي في خانة “الدراسات الاستراتيجية” التي لا يُنجَز منها سوى أغلفة التقارير؟

المفارقة الكبرى أن الجماعات تشكو دائمًا من نقص الموارد، لكنها نادرًا ما تُبذل مجهودًا فعليًا في تحصيل ما هو متاح لها. ولعل السؤال الذي طرحه الوزير لفتيت بذكاء: “من أين ستأتي هذه الأموال؟”، هو تلميحٌ شفافٌ إلى أن بعض المسؤولين المحليين يفضّلون سياسة “دير الخير ما يطيحش عليك البلوكاج الانتخابي”، حيث يُغضّون الطرف عن استخلاص الضرائب من المواطنين، ثم يشتكون من العجز المالي كأنهم ضحايا لا مسؤولين.

في النهاية، يبقى التساؤل مطروحًا: هل سنرى فعلًا تحسّنًا في موارد الجماعات الترابية؟ أم أن المدونة الجديدة ستصبح مجرد نصٍّ إضافي يُضاف إلى رفوف القوانين غير المطبّقة، بينما يستمر المال السايب في تعليم الطمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.