
ضربة قلم
من المفارقات الصارخة التي تثير غضب المواطنين المغاربة، هو الفارق الكبير بين أسعار المنتجات في موانئ الصيد وأسواق المدن. فالسردين، الذي يعتبر من بين أكثر الأسماك شعبية واستهلاكًا في المغرب، يباع في موانئ الصيد بثلاثة دراهم فقط للكيلوغرام، بينما يجد المواطن القاطن على بعد بضع مئات من الأمتار فقط من الميناء نفسه مضطرًا لاقتنائه بعشرين درهمًا. هذا الفارق السعري الفاحش يفضح الجشع الذي يمارسه الوسطاء والتجار الذين يرفعون الأسعار إلى مستويات غير معقولة دون مبررات منطقية.
في ظل هذا الوضع، ظهر شاب من مراكش تجرأ على فضح هذه الممارسات الجشعة، مسلطًا الضوء على الفارق الشاسع بين السعر الأصلي والسعر الذي يتحمله المواطن العادي. هذا التدخل الشعبي يضع تساؤلات ملحة حول طبيعة الرقابة على الأسواق، ودور الجهات المسؤولة في ضبط الأسعار ومنع التلاعب الذي يجعل المواطن يدفع فاتورة الطمع والمضاربات غير العادلة.
هذه التطورات تضع المستهلك المغربي بين نارين: فمن جهة، يواجه ارتفاعًا غير مبرر في أسعار المنتجات داخل البلاد بسبب جشع المضاربين، ومن جهة أخرى، تتأثر المنتجات المحلية بالقرارات الجمركية الخارجية التي تعيد تشكيل الأسواق والطلب. وبينما يمكن اعتبار قرار موريتانيا بفرض رسوم على الطماطم فرصة لتحسين العرض الداخلي، يبقى التحدي الأكبر هو التعامل مع الوسطاء والمضاربين الذين قد يستغلون الوضع لرفع الأسعار مجددًا، مما دفع بعض المصدرين إلى تقديم شكايات رسمية للجهات المعنية لضبط السوق ومنع أي تلاعب.
في ظل هذا الوضع، يواجه المنتج المغربي للطماطم ضغوطًا جديدة في الأسواق الخارجية، وتحديدًا في موريتانيا، حيث فرضت السلطات هناك رسومًا جمركية مرتفعة على واردات الطماطم المغربية في محاولة لحماية الإنتاج المحلي. فقد أكدت مصادر مهنية أن السلطات الموريتانية كانت تنوي فرض رسوم جمركية مرتفعة على عدة منتجات مغربية، مثل البصل والبطاطس والجزر، إلا أن المفاوضات مع المصدرين المغاربة أدت إلى تركيز الإجراءات فقط على الطماطم، نظرًا لوفرتها في موريتانيا خلال هذه الفترة.
وتبلغ الرسوم الجديدة أزيد من 20 ألف درهم على كل شاحنة مغربية محملة بالطماطم، وهو قرار من شأنه التأثير بشكل مباشر على المصدرين المغاربة، إلا أن بعض المراقبين يرون فيه جانبًا إيجابيًا للسوق المحلية المغربية، حيث من المتوقع أن يخفف الضغط على التصدير ويوفر كميات أكبر من الطماطم داخل البلاد، خاصة في شهر رمضان، حيث يرتفع الطلب بشكل كبير على هذه المادة الأساسية.
لمواجهة هذه التحديات، يحتاج المغرب إلى استراتيجية شاملة تعالج مسألتين رئيسيتين:
- التحكم في الأسعار الداخلية: من خلال فرض رقابة صارمة على المضاربين والوسطاء الذين يتلاعبون بالأسعار، وضمان توفر المنتجات الأساسية بأسعار عادلة للمستهلكين.
- تنويع الأسواق التصديرية: عبر البحث عن أسواق جديدة لتصدير المنتجات الفلاحية المغربية، بدلًا من الاعتماد على أسواق تقلباتها السياسية والاقتصادية قد تؤثر على تدفق السلع.
في النهاية، يبقى المواطن المغربي هو الضحية الأكبر في هذه الدوامة التجارية التي تلعب فيها المصالح الاقتصادية والجشع دورًا كبيرًا، بينما الحاجة ملحة لتدخل أكثر صرامة من الجهات الرسمية لضبط الأسعار وضمان العدالة التجارية.