جيل زد.. ما بين الإيمان والإحباط

ضربة قلم
الجيل الجديد لا يطلب المستحيل، بل يطلب ما كان يجب أن يكون بديهياً: كرامة في المدرسة، في المستشفى، وفي الشغل. لقد كبر هذا الجيل في زمن الصورة السريعة، والمنشور القصير، لكنه لم يفقد القدرة على التفكير العميق. هو جيل يعرف كيف يُعبّر، لكنه في حاجة إلى من يُصغي بصدق، لا من يُدوّن الملاحظات فقط.
لقد أثبتت احتجاجات “جيل زد 212” أن الشباب المغربي تجاوز مرحلة “الانفجار العاطفي” نحو وعيٍ مدنيّ جديد، يستخدم وسائل التواصل كأداة للمساءلة لا كمنبر للتنفيس فقط. خرجوا لأنهم شعروا أن وعود التنمية لم تترجم إلى عدالة يومية، وأن “المغرب الكبير” الذي يُعرض في الحملات الرسمية لا يشبه مغربهم الحقيقي: مغرب الحافلات المتهالكة والمراكز الصحية المغلقة والفرص الضائعة.
ورغم ذلك، فإن قرارهم تعليق الاحتجاجات يوم الخطاب الملكي أظهر نضجًا سياسيًا رفيعًا. لم يكن انسحابًا ولا استسلامًا، بل خطوة ذكية تمنح للدولة فرصة إثبات النية، وتضع الكرة في ملعب المؤسسات. إنها “هدنة الكرامة” كما يسميها بعض الشباب: هدنة لا تنبع من ضعف، بل من رغبة في الإصلاح لا في التصعيد.
الرهان المقبل: من الشارع إلى الفعل
التحدي اليوم ليس في رفع الشعارات، بل في تحويلها إلى برامج اجتماعية قابلة للقياس. فجيل زد أمام اختبار مزدوج:
-
أن يُحافظ على زخمه دون أن يُستغل من أطراف سياسية تبحث عن موجة تركبها.
-
وأن يبقى يقظًا دون أن يقع في فخ العدمية أو اليأس.
وفي المقابل، على الدولة أن تُدرك أن “الاستماع” لم يعد كافيًا، وأن لغة الأرقام وحدها يمكن أن تُعيد الثقة: كم مدرسة رُمّمت؟ كم شاب وجد عملًا؟ كم قرية استفادت من ماء الشرب أو شبكة الإنارة؟ فالمغاربة، وخاصة الشباب، لم يعودوا يقنعون بالخطاب، بل ينتظرون البرهان الملموس.
جيل التحدي لا جيل التمرد
هذا الجيل لا يسعى إلى كسر الدولة بل إلى ترميمها. يريد دولة عادلة، لا دولة مثالية؛ مؤسسات فعّالة، لا شعارات متكرّرة. هو جيل يُدرك أن التغيير لا يأتي بين عشية وضحاها، لكنه أيضًا لا يقبل أن يُؤجَّل إلى أجلٍ غير مسمّى.
إنها لحظة دقيقة في التاريخ الاجتماعي المغربي: إمّا أن تُستثمر الطاقة الشبابية في البناء، أو تُترك لتتحول إلى طاقة احتقان جديدة. الخيار بيد من يملك القرار، لكن الإصرار بيد الشباب الذين قرروا أن زمن الصمت قد انتهى.
ربما لا يملك جيل زد مفاتيح السلطة، لكنه يملك مفاتيح الوعي. ومن يملك الوعي، يملك المستقبل.




