مجتمع

حافلات الغبن بتطوان والمضيق-الفنيدق: اللي هضر يتطرد، واللي سكت يتقهر!

ضربة قلم

في تطوان والمضيق-الفنيدق، يبدو أن الحافلات لا تسير على الطرق فقط، بل تسير أيضًا فوق أعصاب المستخدمين، تدعكها كل يوم وتعود لتسير عليها من جديد، وكأننا أمام مسرحية عبثية من إخراج شركة “إيصال المدينة”، وبطولة سائقين لا يتقاضون أجورهم إلا بعد الأعياد، إن وصلتهم أصلا، وركاب يغامرون بحياتهم في كل رحلة مجانية مع الأعطاب الميكانيكية.

هؤلاء السائقون المساكين، أرسلوا صرخة استغاثة إلى عامل الإقليم ورئيس المجلس الجماعي، يشكون فيها من رواتب هزيلة تصل متأخرة، وكأن الشركة تنتظرهم حتى يفقدوا أعصابهم، ثم تمنّ عليهم براتب لا يكفي حتى لشراء الزيت والسكر، إن وُجدوا. أما العقود، فهي سنوية ومؤقتة أكثر من الأحوال الجوية، ومع ذلك، يُطلب منهم التفاني في العمل وكأنهم موظفو دولة يشغلون مناصب حساسة ودائمة.

ولا ننسى الكوميديا السوداء المسماة “التغطية الصحية”، حيث يجد العامل نفسه مريضا، بلا تأمين، بلا دواء، بلا شيء سوى فاتورة صيدلية توازي أجر شهرين، ليُقال له بكل برودة: “تأمين أكسا حاضر، ولكن بلا فائدة، بحال شي شبح فالمستشفى”. أحد الزملاء تُوفي، وبدل أن يُشيعوه إلى مثواه الأخير بكرامة، استُعملت وفاته كشاهد إثبات على مدى تردي الوضع.

أما الحافلات، فهي آلات عجوز، تتنفس بصعوبة وتفقد أطرافها في الطريق، لكن لا صيانة، لا اهتمام، فقط لاصق وشهادة حياة مؤقتة بفضل مجهود السائقين أنفسهم. أما العمل الليلي، فذلك فصل آخر من العبودية الحديثة، حيث يبدأ البعض عمله عند العاشرة ليلا وينتهي مع أذان الفجر، دون درهم إضافي، فقط الهالات السوداء تحت العينين ومهدئات الضغط.

الشركة، بدل أن تعالج المشاكل، اختارت طريق التهديد: “اللي يهضر، يتطرد!”، منتهجة أسلوب العصابات أكثر من أسلوب شركات النقل، بل وتختبئ خلف عبارة “التعليمات من فوق”، وكأنها كائن لا إرادة له، لا يملك تغيير مصير مستخدميه إلا بإذن من قوى خفية.

السائقون، الذين مازالوا يعتقدون في شيء اسمه الحوار، توجهوا بطلبات خجولة، لا يطالبون بالمعجزات، فقط بأبسط شروط الكرامة: راتب عادل، عقد واضح، تغطية صحية غير وهمية، واحترام ساعات العمل. لكن يبدو أن في قاموس الشركة، هذه المطالب تُترجم إلى “وقاحة” تستحق الرد بالطرد.

أما عن “البوانتاج”، فحدث ولا حرج، إذ يتم احتساب وقت العمل كأنهم في عرض أزياء، لا تُحسب فيه دقائق التحضير والانتظار، بل فقط اللحظة التي تخرج فيها الحافلة إلى العلن، أما الانتظار في المستودع تحت رحمة البرد أو التعب، فهو مجرد “هواية إضافية”.

وعندما يقع خطأ بسيط، كنسيان تذكرة أو لمس الهاتف في لحظة غفلة، تتحول المخالفة إلى جريمة، يُعاقب عليها السائق بالتوقيف أو الفصل، دون رحمة، دون تدرج، وكأن الشركة تريد تحويلهم إلى روبوتات، لكنها نسيت أنها لم تمنحهم لا التأمين ولا الشروط ولا حتى الاحترام.

باختصار، في مسرحية النقل الحضري بتطوان، كل شيء مؤقت: العقود، الرواتب، الصحة، وحتى الأمل. وحدها المعاناة دائمة، والسائقون صاروا مثل الحافلات التي يقودونها: يشتغلون رغم الأعطاب، ولا أحد يهتم إن انفجروا في منتصف الطريق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.