مجتمعاقتصاد

حتى الريش أصبح خطراً… الصين تعلن الطلاق الصحي من دجاج المغرب!

ضربة قلم

خبر صغير، لكنه يلخص مأساة كبيرة. الصين، تلك الدولة التي لا تترك شيئاً للصدفة، قررت أن تضع المغرب -بلد “السلامة الصحية الافتراضية”- في خانة الدول غير المؤهلة حتى لتصدير ريش دجاج. نعم، حتى الريش أصبح مرفوضاً، والبيض المغربي -الذي قد لا نعرف مصدره نحن- أصبح مقلقاً للصحة البيولوجية لدولة تسكنها أكثر من مليار ونصف روح. يا للعجب.

وفي الوقت الذي كانت فيه الصين تتخذ قراراً حازماً، يصدر عن أعلى هرم سلطتها الجمركية والفلاحية، ويُترجم إلى أوامر فورية بالإتلاف والحرق والتدمير لكل ما له علاقة بالمنتجات الداجنة المغربية، كان إعلامنا الرسمي، على الأرجح، منشغلاً بتغطية حفل افتتاح معرض الزربية. فبئس التوقيت، وبئس الرد… الذي لم يأتِ أصلاً!

مذكرة رقم 77/2025 لم تكن فقط صفعة تجارية، بل أيضاً صفعة سيادية. فأن تُدرج الصين اسمك ضمن قائمة الممنوعين من “التوريد الحيواني”، وتمنع حتى البيض من دخول مطاراتها، فهذه إهانة ناعمة ولكن مدوية. ومن يعتقد أن الأمر محض قرار تقني معزول عن السياق السياسي والأدائي، فعليه أن يراجع فهمه للعلاقات الدولية. الدول لا تحظر المنتجات فقط بسبب الفيروسات، بل أيضاً بسبب انعدام الثقة في أنظمة الرقابة.

وفي خضم هذا الوجوم الصحي، لا أحد كلف نفسه بطمأنة المواطنين أو على الأقل بإيهامهم أن هناك لجنة وزارية تشتغل على الموضوع، أو أن قطاع الدواجن لا يعيش في قبو مظلم من الفوضى والعشوائية. لا شيء. صمت رسمي يليق بتصحر إداري، حيث لا وزارة ترى، ولا مكتب صحي وطني يصرّح، ولا مسؤول يملك شجاعة الظهور بوجهه ليقول “نعم، عندنا مشكل”. الكل غائب، إلا فيروس نيوكاسل… حاضر، ناشط، ويصدر تقارير دولية باسمه.

أما عن المنتجات المغربية التي كانت تُشحن للصين، فدعونا نكون صرحاء: هل كان أحد يعرف أصلاً أننا نصدر دواجن إلى بكين؟ وهل كنا نعتقد أن تلك العلب الملونة التي نراها في بعض الأسواق هي فعلاً آمنة بما يكفي لقطع آلاف الكيلومترات؟ الأرجح أننا كنا نصدر “النية الحسنة” مرفقة بكلمة “حلال” مطبوعة بخط مزخرف، ونأمل أن يصدقنا الصينيون، لكنهم -وللأسف- قرروا هذه المرة أن يصدقوا المختبرات.

والأجمل في كل هذا أن الحظر لم يشمل فقط المنتجات، بل حتى الهدايا الشخصية التي تحتوي على “ريشة دجاجة مغربية”. نعم، حتى “فخذة معلبة” قد تصبح سبباً في توقيف مسافر بمطار شنغهاي، لا لشيء إلا لأنها قادمة من دولة لم تكلف نفسها بعزل بؤرة المرض قبل أن تتحول إلى فضيحة عالمية.

وهنا، نطرح سؤالاً بسيطاً لكنه جارح: من يحمي سمعة المغرب التجارية؟ من يراقب صادراتنا التي تُذلّ باسمها جمارك الدول الكبرى؟ ومن يجرؤ على محاسبة من جعلوا الدواجن تُعامل كما لو أنها تهديد بيولوجي؟ أم أن الأمر، كالعادة، سيدفن في التراب… أو في الرماد، بعد الإتلاف؟

على كل حال، شكراً للصين. فقد قامت بما لم يقم به جهاز الرقابة الوطني: دقّت ناقوس الخطر. ولو أن ناقوسهم جاء على شكل منشور رسمي يحمل ختم الدولة، ويقول بلغة مهذبة: “كفى عبثاً… دجاجكم مريض”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.