مجتمع

حجّاجنا إلى مكة… والنقد إلى وول ستريت!

ضربة قلم

منذ أن فُرض الحج على المستطيع، والمسلمون يشدّون الرحال إلى بيت الله الحرام، قاصدين وجهه الكريم. لكن في العصر الحديث، لم يعد الحج مجرد عبادة روحية، بل صار أيضًا عملية مالية ضخمة تُغذّي الاقتصاد السعودي بعملات أجنبية ضخمة، وتدعم خزائن الدولة هناك أكثر مما تفعل بعض حقول النفط.

نحن نتحدث عن مئات الملايين من الدولارات سنويًا، تأتي من الحجاج والمعتمرين، ممن يبيعون ما فوقهم وتحته، ليحققوا حلم الركن الخامس. أما الوجه الآخر غير المقدّس للقصة، فهو أن مداخيل الحج لا تنتهي في مكة، بل تمرّ عبر واشنطن.

الحاج المغربي… كائن روحي بجيب مثقوب

المغربي قبل أن يحج، يبيع البقرة، أو يقترض من الأبناك الربوية، أو يدخر طيلة 30 سنة من العمل، كي يؤدي واجب الحج. يصل إلى السعودية بثوب الإحرام، لكنه يضع في جيبه ما يكفي لتمويل قطاع الخدمات، والمطاعم، والفنادق، ومتاجر التذكارات، وحتى شبكات الاتصالات.

وفي حين يعود الحاج إلى وطنه بدموع الخشوع، تعود أمواله لتدور في دواليب الاقتصاد السعودي، الذي يستثمرها لاحقًا في مشاريع كبرى، قد لا علاقة لها بمكة أو المدينة… بل ربما تستثمر في حفلة غنائية في جدة، أو صفقة طائرات مع شركات أمريكية.

عندما يُحصي ترامب أموال المسلمين

سفير الشؤون المالية الأمريكي في عهد ترامب، ستيفن منوتشين، لم يكن حاجًا ولا معتمرًا، ومع ذلك كان أكثر العارفين بأسرار بيت المال السعودي.
ففي الوقت الذي كان المسلمون يرجمون الشيطان، ويتنافسون على أفضل “زمزمية”، كان هو يعدّ مليارات الدولارات القادمة من الحجاج والمعتمرين، والتي تنتهي بطريقة أو بأخرى في العقود الاستثمارية الأمريكية.

قد يتساءل أحدهم: “أين الله من كل هذا؟”
ولعل الجواب يُختزل في عبارة قالها أحد الزعماء: “الله رب الجميع”، لكنها عبارة تُقال أحيانًا لتبرير سياسات تُدار بمنطق المصالح لا المبادئ.

الحرام صار اقتصادًا… والحلال صار انتظارًا

في زمن تحوّلت فيه الفريضة إلى بزنس عملاق، باتت الروحانية مجرد ديكور مصاحب للفاتورة.
فأنت تدفع مقابل التأشيرة، ومقابل النقل، والإقامة، والطواف، والذبح، وحتى الحجر الأسود صار محاطًا بكاميرات مدفوعة.

الحج لم يعد رحلة إيمانية فحسب، بل هو ضخ مباشر للنقد الأجنبي في الاقتصاد السعودي، وهذا الاقتصاد لا يحتفظ به داخل الكعبة، بل يرسل جزءًا كبيرًا منه إلى بورصات نيويورك، واستثمارات تكنولوجية في وادي السيليكون.

فلنراجع نيتنا… ومصاريفنا

لا نقول هنا أن نمتنع عن الحج أو العمرة، ولكن لنسأل أنفسنا:

  • لماذا لا تُستثمر أموال المسلمين في بناء اقتصاد إسلامي عادل؟
  • لماذا تصرّ السعودية على تحويل عبادة الحج إلى قطاع تجاري بلا ضوابط؟
  • ولماذا يخرج الأمريكي الرأسمالي فائزًا من موسم ديني لا يؤمن به أصلًا؟

أليس من المخجل أن يدفع الفقير المسلم من ماله القليل لتمويل صفقة طائرات “F-35″؟
أليس من العبث أن تبكي أمٌ أمام الكعبة، بينما تموّل دموعها قنبلة في مكان آخر؟

في الختام

نحن أمة تدفع الملايين كي تقترب من الله، بينما هناك من يحصي تلك الملايين ليقترب أكثر من أسواق السلاح والعقارات والأسهم.
فيا حجاجنا، حجّكم مبرور إن شاء الله
أما حساباتكم البنكية، فقد تم غسلها وتدويرها جيدًا، والربح فيها مضمون… لكن في الجهة الأخرى من الكرة الأرضية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.