مجتمعاقتصاد

حكومة التجويع.. متى يتوقف هذا الاغتصاب الاقتصادي للمغاربة؟

ضربة قلم

تعيش شريحة واسعة من المغاربة حالة غير مسبوقة من السخط، بعدما تحولت السياسة الاقتصادية للحكومة إلى أداة قمعٍ أشد وطأة من أي إجراء سلطوي مباشر. فبعد مسلسل الزيادات الذي لم يترك للناس قدرة على التقاط أنفاسهم، ها نحن أمام موجة جديدة تستهدف زيت المائدة، تلك المادة الأساسية التي لا يخلو منها أي بيت مغربي، وكأن هذه الحكومة لا تجد وسيلة أفضل لـ”تهنئة” الشعب بحلول رمضان سوى تجويعه أكثر ودفعه نحو مزيد من المعاناة. هذه الهيستيريا في تجويع الشعب المغربي لم يسبق أن عاشها المواطنون المغاربة طيلة التاريخ، إذ لم يشهد المغرب في أي مرحلة سابقة هذا المستوى من الانهيار المعيشي، حيث أصبح الغلاء أداة للتركيع وكسر إرادة الناس، وكأن هناك مخططاً ممنهجاً لإذلالهم وتجريدهم بشكل مفضوح من أبسط مقومات الحياة الكريمة.

إن الأمر لم يعد يتعلق بارتفاع عرضي للأسعار أو أزمة ظرفية يمكن امتصاصها، بل يبدو أن هناك سياسة ممنهجة تستهدف سحق الطبقات الفقيرة والمتوسطة لصالح لوبيات تحتكر الأسواق وتفرض قوانينها الخاصة على الدولة نفسها. كيف يعقل أن يصبح تأمين حاجيات أساسية كالغذاء حلماً بعيد المنال؟ بأي منطق يتم رفع الأسعار بشكل يفوق قدرة المواطن العادي، في حين تظل الأجور مجمدة، بل وتفقد قيمتها الشرائية مع كل زيادة جديدة؟ من المستفيد من كل هذا الإصرار على تدمير القدرة الشرائية للمغاربة؟

لقد تحولت السوق المغربية إلى ساحة نهب مفتوح، حيث تتوارى الحكومة خلف خطابات فارغة عن “قوانين السوق” و”العرض والطلب”، بينما يعلم الجميع أن الأمر ليس سوى مسرحية سخيفة، يتقاسم أدوارها سماسرة الاقتصاد الذين يعرفون أن لا أحد سيحاسبهم، ولا قانون سيقف في وجه جشعهم. أين هي مؤسسات ضبط الأسعار؟ أين هي لجان المراقبة؟ لماذا يتم غض الطرف عن هذه التجاوزات، بينما يجد المواطن نفسه مرهقاً بالضرائب والاقتطاعات والغرامات كلما أبدى عجزه عن مجاراة هذا العبث؟

إن ارتفاع الأسعار بهذا الشكل العشوائي لا يمكن فصله عن السياق العام الذي يسود البلاد، حيث تبدو الحكومة كياناً منفصلاً عن واقع المواطنين، تتحرك وفق أجندات لا علاقة لها بمصالحهم، وتُصر على التعامل معهم كزبائن في سوق حرة بلا ضوابط، وليس كمواطنين لهم حقوق على دولتهم. إن استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها، فالتاريخ علمنا أن الضغط يولد الانفجار، وأن الشعوب التي تجد نفسها محاصرة بالفقر والتهميش لن تقبل أن تكون ضحية إلى ما لا نهاية.

إن أكثر ما يثير الاستفزاز هو توقيت هذه الزيادة المحتملة في أسعار زيت المائدة، حيث يُفترض أن يكون شهر رمضان مناسبة لتعزيز قيم التضامن والتكافل، فإذا به يتحول إلى موسمٍ سنوي لنهب جيوب الفقراء. فبدلاً من أن تتخذ الحكومة تدابير لتخفيف العبء عن المواطنين في هذا الشهر الفضيل، نراها تتواطأ بصمتها المريب مع هذه الزيادات غير المبررة، بل إنها تمارس نوعاً من الاستفزاز غير المباشر، وكأنها تختبر مدى قدرة الشعب على التحمل قبل أن يصل إلى نقطة اللاعودة.

إن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم ليس عن سبب هذه الزيادات أو الجهات التي تقف خلفها، فهذا أصبح واضحاً للجميع، بل عن مدى استعداد المواطن المغربي للاستمرار في تحمل هذا الوضع. إلى متى سيظل هذا الصمت سيد الموقف؟ وإلى متى سيُترك مصير الملايين في أيدي حفنة من الأشخاص الذين لا يرون في هذا الشعب سوى قطيع يجب تجويعه وإخضاعه؟ إن التاريخ لم يكن يوماً متسامحاً مع الأنظمة التي تستخف بمصير شعوبها، وإذا لم تتدارك الحكومة الأمر سريعاً، فقد تجد نفسها أمام واقع لم تكن تتوقعه، حيث لن تنفع حينها لغة الخطابات ولا محاولات الترقيع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.