
ضربة قلم
في زمن كانت فيه الصحافة تحسب نبض الشارع، وتوثّق أنين المواطنين، وتكشف فساد المسؤولين، كانت هناك مساحة – ولو ضيقة – للتنفّس. لكن يبدو أن هذا الزمن قد ولى، وجاءت حكومةٌ لا تجيد سوى إغلاق النوافذ وتسمير الأبواب، حتى لا يتسلل نسيم الحرية إلى هذا الشعب المقهور.
ففي حين كانت الحكومات السابقة تخجل في تطبيق فنون المناورة وتلجأ إلى الحد الأدنى من مطالب “العفاريت والتماسيح”، جاءت هذه الحكومة الحالية بمشروعها البسيط والواضح: المزيد من التضييق، المزيد من القمع، والمزيد من الغرامات! يبدو أن هناك خطة دقيقة: لا صوت يعلو فوق صوت النقود المتدفقة إلى الخزينة العامة!
الصحافة: من العين الساهرة إلى الرفيق المريح
لقد كانت الصحافة في يوم من الأيام سلطة رابعة، أما اليوم فقد أصبحت مجرد وسيلة إعلانية ممولة حكومياً، تنقل لنا أخباراً عن “نجاحات استثنائية” و”إصلاحات تاريخية”، بينما في الواقع، تغلق الجرائد المستقلة أبوابها، وتكمم الأفواه، وتحل محلها أبواق التبرير والتطبيل.
لا عجب إذن أن بعض الصحفيين المخضرمين بدأوا يتساءلون: هل كان الاستعمار أكثر رحمة من هذه الحقبة التي تتغنى بالسيادة الوطنية؟ على الأقل، خلال الاستعمار، أو المشرع “الفرنسي” كان هناك حق الإضراب، وكان هناك من يصرخ. أما اليوم، فحتى الصراخ أصبح جريمة يُعاقب عليها بغرامة محترمة، ويفضل أن تدفعها ببطاقة إلكترونية حتى لا تتعب رجال الأمن في عد النقود الورقية!
القانون في خدمة الأغنياء فقط
في ظل هذه المنظومة العجيبة، لم تعد القوانين أداة لتنظيم المجتمع، بل تحولت إلى فخاخ مالية، تنصب للمواطن البسيط في كل زاوية. مخالفة مرورية بسيطة؟ ادفع راتب نصف شهر! خرجتَ تطالب بحياة كريمة؟ جاهزة لك غرامة بحجم ديونك البنكية! رفضتَ الخدمة بشروط مهينة؟ استعد لزيارة المحكمة!
وفي هذا المسلسل التشريعي، يبدو أن الحكومة لم تكتفِ بفرض الغرامات، بل عمدت إلى تعديل قوانين الإضراب كي تجرّمه ضمنياً، ولأن الإضراب الحقيقي اليوم لم يعد ممكناً، بات الخيار الوحيد أمام المواطن هو الإضراب عن الأمل.
الزيادات في الأسعار: سياسة تجويع مُمنهجة
أما عن الأسعار، فحدّث ولا حرج! من كان يظن أن ثمن الطماطم يمكن أن يضاهي سعر النفط، أو أن فاتورة الماء والكهرباء ستصبح وسيلة انتقام حكومية؟ في الواقع، يبدو أن الحكومة تطبق سياسة اقتصادية بسيطة: اجعلوا الفقراء أكثر فقراً، وامنحوا الأغنياء المزيد من الامتيازات.
إذا كانت الأسرة المغربية المتوسطة تعيش على أعصابها خوفاً من المستقبل، فالأمر ليس صدفة، بل نتيجة تخطيط محكم. فالزيادات في الأسعار ليست مجرد “إصلاح اقتصادي” كما يدّعي البعض، بل هي عملية تجويع مُمنهجة، وإجبارٌ للناس على الانشغال بلقمة العيش بدلاً من التفكير في حقوقهم.
المستقبل؟ لا تبشروا الناس بالخير!
أما عن المستقبل، فمن الواضح أن الحكومة الحالية ليست هنا لتقديم حلول، بل لتنفيذ “مهمة خاصة”: خنق الحريات، تكبيل الصحافة، سحق الطبقة المتوسطة، والتأكد من أن الجميع مشغولون بتسديد الغرامات عوض المطالبة بالإصلاحات.
إذا كان بعض المواطنين لا يزالون يأملون في تغيير جذري، فليطمئنوا: التغيير قادم، لكنه للأسوأ. فربما، في يوم من الأيام، يصبح مجرد الحلم بحياة كريمة مخالفة قانونية تستوجب غرامة ثقيلة.
عذراً أيها الشعب، لقد تم بيعك في المزاد العلني، والأرباح تذهب مباشرة إلى الحسابات البنكية لأولئك الذين يشرّعون الخراب!