حملات المقاطعة بالمغرب: بين نداءات النشطاء وصمود الأسعار في الأسواق

ضربة قلم
مع شهر رمضان، تتزايد دعوات نشطاء مغاربة عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى تبني “حملات متنوعة للمقاطعة” ضد غلاء الأسعار، في محاولة للضغط على الأسواق وتحقيق انخفاضات في أثمنة المواد الأساسية. هذه الدعوات، التي أصبحت تقليدًا سنويًا في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، تثير نقاشًا واسعًا حول مدى فعاليتها وتأثيرها على السياسات التجارية والأسعار داخل السوق المغربي.
حملات المقاطعة: سلاح رقمي في مواجهة الغلاء
تستند حملات المقاطعة في المغرب إلى قوة منصات التواصل الاجتماعي، حيث يستغل النشطاء قدرتها على التأثير في الرأي العام وحشد المستهلكين لمقاطعة بعض المنتجات التي تشهد ارتفاعًا غير مبرر في الأسعار. وغالبًا ما تتمحور هذه الدعوات حول مواد استهلاكية أساسية مثل البيض، والسردين، واللحوم الحمراء، والحليب، وبعض أنواع الخضر والفواكه، التي يُنظر إليها على أنها غير متناسبة مع القدرة الشرائية لغالبية الأسر المغربية.
وقد سبق أن نجحت حملات المقاطعة في الماضي، مثل حملة 2018 التي استهدفت بعض العلامات التجارية الخاصة بالحليب والمياه المعدنية والمحروقات، مما أدى إلى اضطرابات في السوق وتراجع المبيعات، وأجبرت الشركات المعنية على إعادة النظر في استراتيجياتها التسعيرية والتواصلية. غير أن الظروف الاقتصادية اليوم تبدو أكثر تعقيدًا، مما يطرح تساؤلات حول إمكانية تكرار نفس السيناريو وتحقيق نتائج ملموسة.
واقع الأسواق: الأسعار تصمد رغم النداءات
على أرض الواقع، لا يبدو أن لهذه الحملات تأثيرًا فعليًا على الأسعار حتى الآن، وفقًا لمصادر مهنية من داخل الأسواق المغربية. بل على العكس، فإن الإقبال على المواد الغذائية يظل مرتفعًا كما هو الحال في السنوات السابقة، خاصة مع تزايد الطلب خلال شهر رمضان الذي يتميز بتغيرات في أنماط الاستهلاك.
ويرجع العديد من الخبراء ذلك إلى عدة عوامل، أبرزها:
- العادات الاستهلاكية القوية خلال رمضان: حيث يزداد إقبال الأسر المغربية على شراء كميات كبيرة من المواد الغذائية، مما يدفع التجار إلى رفع الأسعار استجابة لقوانين العرض والطلب.
- غياب بدائل حقيقية: فالمستهلك يجد نفسه مضطرًا لاقتناء المنتجات الأساسية بغض النظر عن سعرها، ما يجعل تأثير المقاطعة محدودًا، إلا إذا كانت موجهة ضد علامات تجارية معينة.
- تداخل العوامل الاقتصادية والتجارية: مثل تكاليف الإنتاج، وتغيرات السوق العالمية، وتقلبات أسعار المحروقات التي تلعب دورًا في تحديد تكلفة المنتجات المعروضة.
بين المقاطعة والمطالب بالإصلاح: أي مستقبل للأسعار؟
يعتقد البعض أن المقاطعة الرقمية قد تكون خطوة رمزية، لكنها غير كافية في غياب سياسات اقتصادية وتجارية شاملة تعمل على ضبط الأسواق ومنع المضاربات التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار. في المقابل، يرى آخرون أن هذه الحملات تمثل تعبيرًا صريحًا عن سخط المستهلكين، وقد تشكل ضغطًا إضافيًا على الجهات المعنية لاتخاذ تدابير أكثر صرامة ضد الغلاء.
ويبقى السؤال الأهم: هل ستنجح المقاطعة في فرض تراجع الأسعار، أم أن الأمر يحتاج إلى تدخل مباشر للسلطات المحلية لضبط الأسواق وتعزيز الحماية الاجتماعية للطبقات الأكثر تضررًا؟ الأيام القادمة ستكشف عن مدى قدرة هذه الحملات على فرض واقع جديد في المعادلة الاقتصادية المغربية.