سياسة

حمى الانتخابات في رمضان: القفة الرمضانية بين العمل الخيري والاستغلال السياسي

ضربة قلم

مع اقتراب شهر رمضان، تعود إلى الواجهة ظاهرة توزيع “القفة الرمضانية”، والتي باتت تشكل محور جدل واسع، خاصة في ظل تزامنها مع أجواء انتخابية غير مباشرة. التقارير الأخيرة كشفت أن العديد من الجماعات الترابية في مختلف المدن والقرى تشهد توزيع القفف الرمضانية عن طريق “البونات”، مما أثار مخاوف من استغلال هذه المساعدات الإنسانية في الترويج الانتخابي.

حسب مصادر متعددة، فإن تخصيص حصص من المساعدات الغذائية لبعض المستشارين من أجل توزيعها في دوائرهم الانتخابية بعيداً عن أي رقابة رسمية يعكس خللاً كبيراً في تدبير الشأن العام. الأمر لا يقتصر على توزيع المواد الغذائية فقط، بل يتعداه إلى استغلال هذه القفف لاستمالة الناخبين قبل الأوان، في خرق واضح لمبادئ النزاهة والشفافية الانتخابية.

من جهة أخرى، كشفت التقارير عن تضارب الأرقام بشأن المستفيدين وتصنيفهم خارج معايير السجل الاجتماعي الموحد، مما يعزز الشكوك حول وجود تلاعبات تهدف إلى توجيه هذه المساعدات للفئات القابلة للاستقطاب الانتخابي بدلاً من الفئات الأكثر احتياجاً.

بالموازاة مع هذه التطورات، تعالت أصوات جمعيات المجتمع المدني مطالبة بتجميد بند “المساعدات الغذائية” ضمن ميزانيات الجماعات الترابية، وتحويله إلى قطاعات أكثر أهمية، مثل الصحة والبنية التحتية. ويرى هؤلاء أن الحل الأمثل يتمثل في توجيه هذه الموارد لدعم مشاريع تنموية مستدامة بدل الاستمرار في صرف المال العام على مبادرات ذات طابع استغلالي.

لم يعد توزيع القفة الرمضانية مجرد عملية تضامنية، بل تحول إلى سوق كبير تستفيد منه العديد من المقاولات الصغرى، التي تحصل على سندات طلب لتوريد المواد الغذائية. وأظهرت التقارير أن مقاولات من جهة الرباط-سلا-القنيطرة، وجهات أخرى، نالت عشرات العقود لتزويد جماعات في جهة الدار البيضاء-سطات، من بينها جماعة تابعة لإقليم مديونة.

ورصدت التقارير أيضاً سيطرة نافذين على عمليات تدبير القفة الرمضانية، حيث يتم تحويل مواد غذائية إلى مستودعات خاصة بمنتخبين وموظفين جماعيين. وقد سبق أن رفعت شكايات عدة إلى العمال في هذا الشأن، دون أن تعرف أغلبها طريقها إلى الحل.

رغم أن وزارة الداخلية أصدرت منذ سنوات قراراً يمنع الجماعات الترابية من توزيع القفف الرمضانية لتفادي استغلالها انتخابياً، إلا أن العديد من المجالس الجماعية تلتف على هذا القرار بطرق مختلفة. فبدلاً من توزيع القفف مباشرة، يتم منح سندات طلب لمقاولات وشركات بعضها مملوك لمنتخبين، بهدف تزويد مستودعات تخزين المساعدات.

هذا الوضع يطرح إشكالية أخلاقية وقانونية كبيرة، حيث تتحول “القفة الرمضانية” إلى أداة سياسية، بدلاً من كونها مبادرة إنسانية تستهدف الفئات الهشة.

إذا كان الهدف من توزيع المساعدات الرمضانية هو التخفيف من معاناة الفقراء، فإنه من الضروري أن تتم العملية بشكل شفاف وعادل، تحت إشراف جهات مستقلة تضمن وصولها إلى مستحقيها الحقيقيين. أما استمرار استغلال المال العام والمساعدات الغذائية لتحقيق مكاسب سياسية وانتخابية، فهو أمر يضرب في الصميم مبادئ النزاهة ويكرس منطق الزبونية والمحسوبية.

يبقى السؤال المطروح: هل ستتخذ السلطات خطوات جادة لوضع حد لهذا العبث، أم أن المشهد سيتكرر مع كل موسم انتخابي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.