
ضربة قلم
استهلال
يقال إن “الأعمال والسياسة لا يلتقيان”، فلكل مجال منطقه الخاص وأدواته وقواعده. لكن الواقع يفند هذه المقولة، إذ يشهد التاريخ كيف تداخلت السياسة مع الاقتصاد، والفن، وحتى الرياضة، فأنتج ذلك خلطًا غير محمود العواقب. وحينما يتداخل المال بالسياسة، يصبح القرار السياسي رهينة المصالح الخاصة، ويتحول العمل الحزبي إلى مجرد واجهة لأصحاب النفوذ، حيث تُباع الأصوات، وتُشترى القرارات، وتُصاغ السياسات وفق أجندات رجال الأعمال لا وفق مصلحة المواطنين. أصبح المال هو المحدد الأول لمسار الانتخابات، وتحولت المناصب العليا إلى مقاعد محجوزة مسبقًا لمن يملك النفوذ لا لمن يستحقه، حتى باتت السياسة في كثير من الأحيان مجرد سوق مفتوح لمن يدفع أكثر.
وحينما تمتد يد “السياسي” إلى الرياضة، لا يكون الأمر مختلفًا كثيرًا، إذ تتحول الملاعب إلى منصات انتخابية، وتصبح الفرق مجرد بيادق في لعبة النفوذ. هذا التداخل بين السياسة والرياضة، الذي كان يُفترض أن يكون حالة استثنائية، أصبح في المغرب قاعدة غير معلنة، حيث تسلق العديد من “السياسيين” سلالم الشهرة عبر الأندية الرياضية، مستغلين الجماهير وقوة الانتماء العاطفي لتحقيق مكاسب شخصية. والنتيجة؟ فضائح، فساد، وسجون امتلأت بمن كانوا بالأمس يتصدرون المشهد الرياضي والسياسي.
في هذا السياق، تصبح الدعوة إلى الفصل بين الرياضة والسياسة مطلبًا ضروريًا، بل وحتميًا، للحفاظ على نزاهة اللعبة وشفافية التسيير. فهل آن الأوان لتجريم هذا التداخل ومنع السياسيين من التلاعب بمصير الأندية؟
أسباب المطالبة بتجريم الجمع بين الرياضة والسياسة
- استغلال الأندية لأغراض سياسية وانتخابية
لطالما استغل بعض “السياسيين” رئاسة الفرق الرياضية كوسيلة لتحقيق مكاسب انتخابية، عبر كسب قاعدة شعبية واسعة بين الجماهير، مستغلين عشق الجمهور لناديهم، فيتحول الولاء من كيان رياضي إلى شخص سياسي، يبتغي أصوات الناخبين، أكثر مما يسعى إلى تطوير النادي. - انتشار الفساد المالي والإداري
تجربة الماضي أثبتت أن تولي “السياسيين” مسؤوليات في الأندية الرياضية يؤدي غالباً إلى سوء التدبير المالي، وتحويل الفرق إلى مغارة علي بابا وأوكار لغسل الأموال أو الاستفادة من الصفقات المشبوهة. وقد رأينا كيف انتهى الأمر ببعض رؤساء الأندية في السجون، بسبب تلاعبات مالية واستغلال النفوذ، في حين بقيت الفرق الرياضية تعاني من ديون خانقة وإدارات غير مستقرة. - إضعاف استقلالية الرياضة
الرياضة هي مجال مستقل يجب أن يكون بعيداً عن أي تدخل سياسي، حتى يتسنى لها التطور وفق منطق تنافسي نزيه. لكن حينما يدخل “السياسيون” إلى المجال الرياضي، يتحول كل شيء إلى صفقات ومحسوبية، حيث تُمنح الامتيازات لبعض الأندية على حساب أخرى، وتُوظف الرياضة لخدمة الأجندات الحزبية والشخصية. - ضياع مصلحة الفرق والجماهير
حينما يصبح الهدف من تسيير الأندية خدمة المصالح السياسية، تصبح القرارات المتخذة بعيدة عن مصلحة الفرق والجماهير. فبدلاً من التركيز على الاستثمار في المواهب وتطوير البنية التحتية، يتم تسيير الأندية بعقلية انتخابية، حيث يُستغل نجاح الفريق كدعاية انتخابية، ويُهمل النادي فور تحقيق الغاية السياسية المرجوة.
نماذج من فشل السياسيين في تسيير الأندية
لم يكن المغرب استثناءً في هذه الظاهرة، فخلال العقود الماضية، تولى عدد من أشباه السياسيين مسؤولية أندية رياضية كبرى، وانتهى بهم المطاف إلى المحاكم بتهم الاختلاس أو التدبير العشوائي. والأمثلة كثيرة، حيث باتت الجماهير ترى في هذه الطينة من السياسيين الذين يقودون الفرق الرياضية “قنابل موقوتة” قد تؤدي إلى انهيار أنديتها، خاصة حينما يتم الزج بالنادي في صراعات سياسية لا علاقة له بها.
ضرورة إصدار قانون يمنع الجمع بين المسؤوليات السياسية والرياضية
إن الحل الأمثل لمواجهة هذه الظاهرة هو إصدار قانون صارم يمنع أي مخلوق سياسي من تولي رئاسة نادٍ رياضي، أو العكس، بحيث يلتزم الرياضيون بالبقاء في مجالهم، ويبتعد “السياسيون” عن استغلال الفرق الرياضية لأغراضهم الشخصية.
ولضمان تنفيذ هذا القانون، يجب وضع عقوبات رادعة، مثل:
- الإقصاء الفوري من أي منصب رياضي لكل شخص يحمل صفة سياسية.
- فتح تحقيقات شفافة حول مصادر تمويل الأندية التي يقودها “سياسيون” حاليون أو سابقون.
- تجميد أي نشاط رياضي يثبت استغلاله من طرف السياسيين لخدمة أجنداتهم الانتخابية.
خاتمة
لقد أثبتت التجارب أن إدخال السياسة إلى الرياضة لم يكن سوى عامل هدمٍ للفرق، وإضعافٍ للمنافسة، وفسادٍ في التدبير. لذا، فإن الوقت قد حان لتجريم هذا التداخل ومنعه بشكل صارم، حتى تعود الأندية الرياضية إلى أهلها الحقيقيين: الرياضيين والجماهير، بعيداً عن حسابات الساسة ومصالحهم الضيقة.