حين احترق النور في الحسيمة: رحيل الفنان مصطفى سوليت في صمتٍ يوجع القلب

ضربة قلم
رحل صباح اليوم الأحد، في صمتٍ يوجع القلب، الفنان مصطفى سوليت، بعد صراعٍ مريرٍ مع الألم، داخل أسوار المستشفى الجامعي بطنجة. رحل جسدًا، لكن صدى صوته وابتسامته سيبقيان عالقين في ذاكرة مدينة الحسيمة التي عرفته عاشقًا للحياة، رغم أن الحياة لم تمنحه سوى القليل.
كان مصطفى، الرجل الطيب الذي تحدّى الإعاقة بموهبةٍ تشبه النور، قد تحوّل قبل أيام إلى ضحيةٍ لجريمةٍ لا يستوعبها العقل ولا القلب؛ حين أُضرمت النار في جسده النحيل وسط شارع الزلاقة، في مشهدٍ مأساويٍّ مزّق وجدان من شاهده، وأيقظ فينا سؤالاً موجعًا: كيف وصل بنا الحال إلى أن نحرق الفنّان بدل أن نصفّق له؟
أُسعف الراحل أولاً إلى المستشفى الإقليمي بالحسيمة، ثم إلى طنجة حين اشتدّ عليه الوجع وتجاوزت الحروق حدود الجسد إلى الروح. هناك، بين أجهزة العناية المركزة وهمسات الدعاء، أغمض عينيه الأخيرة، مودعًا دنيا لم تعرف كيف تحميه.
كان سوليت فنانًا بطبعه، يُغنّي حين تضيق الدنيا، ويُمثّل حين تغيب العدالة. عاش بإعاقةٍ في الجسد، لكن بروحٍ أوسع من كل القيود. عرفه الناس بابتسامته الصافية، وبنغمةٍ حزينةٍ كان يعزفها على آلةٍ مكسورة كأنها مرآةٌ لحياته.
رحيله خلّف موجة حزنٍ عميقة، وصرخة غضبٍ صادقة في قلوب من عرفوه أو سمعوا عنه. صفحات التواصل امتلأت بكلمات وداعٍ ودموعٍ رقمية، كلها تقول الشيء نفسه: “لم يكن يستحقّ هذا المصير.”
السلطات فتحت تحقيقًا في الجريمة التي هزّت الحسيمة، وأوقفت المشتبه فيه الرئيسي، لكن لا قانون سيُعيد إلينا ذاك الفنان الذي واجه العالم بعكّازٍ وابتسامة.
رحم الله مصطفى سوليت، شمعةً أُطفئت قبل أوانها، وفنانًا غنّى للحياة، بينما كانت النار تقترب منه في صمتٍ قاسٍ.
ويبقى السؤال معلّقًا في سماء الحسيمة: من سيُعيد للإنسانية دفئها بعد أن احترقت؟




